الميت عطفا عليه، فغير جائز أن يكون المعطوف هو المعطوف عليه بعينه. وأيضا فإن القيام ليس هو عبارة عن الصلاة، وإنما يريد هذا القائل أن يجعله كناية عنها، وغير جائز أن تذكر الصلاة بصريح اسمها ثم يعطف عليها القيام فيجعله كناية عنها، فثبت بذلك أن القيام على القبر غير الصلاة. وأيضا روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا أبي يا رسول الله قد وضعناه على شفير قبره فقم فصل عليه! فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثبت معه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام الناس خلفه تحولت وقمت في صدره وقلت: يا رسول الله على عبد الله بن أبي عدو الله القائل يوم كذا كذا وكذا! أعد أيامه الخبيثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتدعني يا عمر إن الله خيرني فاخترت، فقال:
(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) الآية، فوالله لو أعلم يا عمر أني لو زدت على سبعين مرة أن يغفر له لزدت "، ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وقام على قبره حتى دفن، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى أنزل الله: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره)، فوالله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد من المنافقين ولا قام على قبره بعده. فذكر عمر في هذا الحديث الصلاة والقيام على القبر جميعا، فدل على ما وصفنا. وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أبي، فأخذ جبريل بثوبه فقال: " لا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ".
قوله تعالى: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله)، هذا عطف على ما تقدم من ذكر الجهاد في قوله:
(لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم)، ثم عطف عليه قوله:
(وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم)، فذمهم على الاستيذان في التخلف عن الجهاد من غير عذر. ثم ذكر المعذورين من المؤمنين، فذكر الضعفاء وهم الذين يضعفون عن الجهاد بأنفسهم لزمانة أو عمى أو سن أو ضعف في الجسم، وذكر المرضى وهم الذين بهم أعلال مانعة من النهوض والخروج للقتال، وعذر الفقراء الذين لا يجدون ما ينفقون، وكان عذر هؤلاء ومدحهم بشريطة النصح لله ورسوله، لأن من تخلف منهم وهو غير ناصح لله ورسوله بل يريد التضريب والسعي في إفساد قلوب من بالمدينة لكان مذموما مستحقا للعقاب. ومن النصح لله تعالى حث المسلمين على الجهاد وترغيبهم فيه والسعي في إصلاح ذات بينهم ونحوه مما يعود بالنفع على الدين، ويكون مع ذلك مخلصا لعمله من الغش، لأن ذلك هو النصح، ومنه التوبة النصوح.
قوله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل)، عموم في أن كل من كان محسنا في