ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول) الآية، قال ابن عباس والحسن: " صلوات الرسول استغفاره لهم "، وقال قتادة: " دعاؤه لهم بالخير والبركة ".
وقوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)، فيه الدلالة على تفضيل السابق إلى الخير على التالي، لأنه داع إليه يسبقه والتالي تابع له فهو إمام له وله مثل أجره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة "، وكذلك السابق إلى الشر أسوأ حالا من التابع له، لأنه في معنى من سنه، و قال الله تعالى: (و ليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) [العنكبوت: 13] يعني أثقال من اقتدى بهم في الشر، وقال الله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) [المائدة: 32]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من قتيل ظلما إلا وعلى ابن آدم القاتل كفل من دمه لأنه أول من سن القتل ".
وقد اختلف فيمن نزلت الآية، فروي عن أبي موسى وسعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة: " أنها نزلت في الذين صلوا إلى القبلتين ". وقال الشعبي: " فيمن بايع بيعة الرضوان ". وقال غيرهم: " فيمن أسلم قبل الهجرة ".
وقوله تعالى: (وممن حولكم من الأعراب منافقون) الآية، إلى قوله: (سنعذبهم مرتين). قال الحسن وقتادة: " في الدنيا وفي القبر " (ثم يردون إلى عذاب عظيم) " وهو عذاب جهنم ". وقال ابن عباس: " في الدنيا بالفضيحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجالا منهم بأعيانهم، والأخرى في القبر ". وقال مجاهد: " بالقتل والسبي والجوع ".
وقوله تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم). والاعتراف الإقرار بالشئ عن معرفة، لأن الإقرار من قر الشيء إذا ثبت، والاعتراف من المعرفة، وإنما ذكر الاعتراف بالخطيئة عند التوبة لأن تذكر قبح الذنب أدعى إلى إخلاص التوبة منه وأبعد من حال من يدعى إلى التوبة ممن لا يدري ما هو ولا يعرف موقعه من الضرر، فأصح ما يكون من التوبة أن تقع مع الاعتراف بالذنب، ولذلك حكى الله تعالى عن آدم وحواء عند توبتهما: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) [الأعراف: 23].
وإنما قال: (عسى الله أن يتوب عليهم) ليكونوا بين الطمع والإشفاق فيكونوا أبعد من الإتكال والإهمال، وقال الحسن: " عسى " من الله واجب. وفي هذه الآية دلالة على أن المذنب لا يجوز له اليأس من التوبة، وإنما يعرض ما دام يعمل مع الشر خير لقوله