أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٩٧
لأن هذا الحق لا يختلفان فيه، فلما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما دل على أنه لم يرد به ذلك وأنه إنما أراد الزكاة. وعلى أنه قد روي أن الزكاة نسخت كل حق كان واجبا، حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا حسن بن إسحاق التستري قال: حدثنا علي بن سعيد قال:
حدثنا المسيب بن شريك عن عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي قال: " نسخت الزكاة كل صدقة ". وأيضا قد روي أن أهل الشام سألوا عمر أن يأخذ الصدقة من خيلهم، فشاور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له علي: " لا بأس ما لم تكن جزية عليهم " فأخذها منهم، وهذا يدل على اتفاقهم على الصدقة فيها لأنه شاور الصحابة، ومعلوم أنه لم يشاورهم في صدقة التطوع، فدل على أنه أخذها واجبة بمشاورة الصحابة، وإنما قال علي: " لا بأس ما لم تكن جزية عليهم " لأنه لا يؤخذ على وجه الصغار بل على وجه الصدقة.
واحتج من لم يوجبها بحديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق "، وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة "، وهذا عند أبي حنيفة على خيل الركوب، ألا ترى أنه لم ينف صدقتها إذا كانت للتجارة بهذا الخبر؟.
واختلف في زكاة العسل، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والأوزاعي: " إذا كان في أرض العشر ففيه العشر ". وقال مالك والثوري والحسن بن صالح والشافعي:
" لا شيء فيه "، وروي عن عمر بن عبد العزيز مثله، وروي عنه الرجوع عن ذلك، وأنه أخذ منه العشر حين كشف عن ذلك وثبت عنده ما روي فيه. وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: " بلغني أن في العسل العشر:، قال ابن وهب: وأخبرني عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد وربيعة بذلك. وقال يحيى إنه سمع من يقول فيه العشر في كل عام بذلك مضت السنة.
قال أبو بكر: ظاهر قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) يوجب الصدقة في العسل، إذ هو من ماله، والصدقة إن كانت مجملة فإن الآية قد اقتضت إيجاب صدقة ما، وإذا وجبت الصدقة كانت العشر إذ لا يوجب أحد غيره. ويدل عليه من جهة السنة ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني قال:
حدثنا موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وسأله أن يحمي واديا له يقال له سلبة فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك، فكتب عمر أن أدى إليك ما
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»