أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٩١
مجمل مفتقر إلى البيان في المأخوذ والمأخوذ منه ومقادير الواجب والموجب فيه ووقته وما يستحقه وما ينصرف فيه، فكان لفظ الزكاة مجمل في هذه الوجوه كلها، وقال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) فكان الاجمال في لفظ الصدقة دون لفظ الأموال لأن الأموال اسم عموم في مسمياته، إلا أنه قد ثبت أن المراد خاص في بعض الأموال دون جميعها والوجوب في وقت من الزمان دون سائره، ونظيره قوله تعالى: (في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) [المعارج: 24 و 25]، وكان مراد الله تعالى في جميع ذلك موكولا إلى بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر: 7]. حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا صرد بن أبي المنازل قال: سمعت حبيبا المالكي قال: قال رجل لعمران بن حصين: يا أبا نجيد إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجد لها أصلا في القرآن! فغضب عمران وقال للرجل: أوجدتم في كل أربعين درهما درهما ومن كل كذا وكذا شاة شاة ومن كذا وكذا بعيرا كذا وكذا، أوجدتم هذا في القرآن؟ قال: لا، قال: فعمن أخذتم هذا؟ أخذتموه عنا وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أشياء نحو هذا. فمما نص الله تعالى عليه من أصناف الأموال التي تجب فيها الزكاة الذهب والفضة بقوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) فنص على وجوب الحق فيهما بأخص أسمائهما تأكيدا وتبيينا. ومما نص عليه زكاة الزرع والثمار في قوله: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) إلى قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) [الأنعام: 141]، فالأموال التي تجب فيها الزكاة الذهب والفضة وعروض التجارة والإبل والبقر والغنم السائمة والزرع والثمر على اختلاف من الفقهاء في بعض ذلك، وقد ذكر بعض صدقة الزرع والثمر في سورة الأنعام.
وأما المقدار فإن نصاب الورق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون دينارا، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الإبل فإن نصابها خمس منها، ونصاب الغنم أربعون شاة، ونصاب البقر ثلاثون. وأما المقدار الواجب ففي الذهب والفضة وعروض التجارة ربع العشر إذا بلغ النصاب، وفي خمس من الإبل شاة، وفي أربعين شاة شاة، وفي ثلاثين بقرة تبيع. وقد اختلف في صدقة الخيل، وسنذكره بعد هذا إن شاء الله. وأما الوقت فهو حول الحول على المال مع كمال النصاب في ابتداء الحول وآخره. وأما من تجب عليه فهو أن يكون المالك حرا بالغا عاقلا مسلما صحيح الملك لا دين عليه يحيط بماله أو بما لا يفضل عنه مائتا درهم. حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا القعنبي
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»