أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٨٣
وإظهاره وهتك صاحبه بما يخذله الله به ويفضحه، وذلك إخبار عن المنافقين وتحذير لغيرهم من سائر مضمري وكان السوء وكاتميه، روى وهو في معنى قوله: (والله مخرج ما كنتم تكتمون) [البقرة: 72].
قوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) إلى قوله: (إ ن نعف) فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعبا، فأخبر الله عن كفرهم باللعب بذلك. وروي عن الحسن وقتادة أنهم قالوا في غزوة تبوك: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات! فأطلع الله نبيه على ذلك، فأخبر أن هذا القول كفر منهم على أي وجه قالوه من جد أو هزل، فدل ذلك على استواء حكم الجاد والهازل في إظهار كلمة الكفر، ودل أيضا على أن الاستهزاء بآيات الله وبشئ من شرائع دينه كفر من فاعله.
قوله تعالى: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعضهم) أضاف بعضهم إلى بعض باجتماعهم على النفاق، فهم متشاكلون متشابهون في تعاضدهم على النفاق والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف كما يضاف بعض الشئ إليه لمشاكلته للجملة.
قوله تعالى: (ويقبضون أيديهم)، فإنه روي عن الحسن ومجاهد: " عن الانفاق في سبيل الله ". وقال قتادة " عن كل خير ". وقال غيره: " عن الجهاد في سبيل الله ".
وجائز أن يكونوا قبضوا أيديهم عن جميع ذلك، فيكون المراد جميع ما احتمله اللفظ منه.
وقوله: (نسوا الله فنسيهم)، فإن معناه أنهم تركوا أمره والقيام بطاعته حتى صار ذلك عندهم بمنزلة المنسي، إذ لم يستعملوا منه شيئا كما لا يعمل بالمنسي. وقوله:
(فنسيهم) معناه أنه تركهم من رحمته، وسماه باسم الذنب لمقابلته لأنه عقوبة وجزاء على الفعل، وهو مجاز كقولهم: الجزاء بالجزاء، وقوله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) [الشورى: 40] ونحو ذلك.
قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم). روى عبد الله بن مسعود قال: " جاهدهم بيدك فإن لم تستطع فبلسانك وقلبك فإن لم تستطع فاكفهر في وجوههم ". وقال ابن عباس: " جاهد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان ".
وقال الحسن وقتادة: " جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بإقامة الحدود، وكانوا أكثر من يصيب الحدود ".
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»