تعالى: (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) وأنه متى كان للمذنب رجوع إلى الله في فعل الخير وإن كان مقيما على الذنب إنه مرجو الصلاح مأمون خير العاقبة، وقال الله تعالى:
(ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) [يوسف: 87]، فالعبد وإن عظمت ذنوبه فغير جائز له الانصراف عن الخير يائسا من قبول توبته، لأن التوبة مقبولة ما بقي في حال التكليف، فأما من عظمت ذنوبه وكثرت مظالمه وموبقاته فأعرض عن فعل الخير والرجوع إلى الله تعالى يائسا من قبول توبته فإنه يوشك أن يكون ممن قال الله عز وجل: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) [المطففين: 14].
مطلب: في محاورة الحسن بن علي رضي الله عنهما مع حبيب بن مسلمة الفهري من أصحاب معاوية.
وروي أن الحسن بن علي قال لحبيب بن مسلمة الفهري - وكان من أصحاب معاوية -: رب مسير لك في غير طاعة الله! فقال: أما مسيري إلى أبيك فلا، فقال الحسن: بلى، ولكنك اتبعت معاوية على عرض من الدنيا يسير والله لئن قام بك معاوية في دنياك قد قعد بك في دينك ولو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كنت ممن قال الله:
(خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم) ولكنك أنت ممن قال الله:
(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) [المطففين: 14] وهذه الآية نزلت في نفر تخلفوا عن تبوك، قال ابن عباس: كانوا عشرة فيهم أبو لبابة بن عبد المنذر، فربط سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد إلى أن نزلت توبتهم.
وقيل: كانوا سبعة فيهم أبو لبابة.
قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها). ظاهره رجوع الكناية إلى المذكورين قبله وهم الذين اعترفوا بذنوبهم، لأن الكناية لا تستغني عن مظهر مذكور قد تقدم ذكره في الخطاب، فهذا هو ظاهر الكلام ومقتضى اللفظ. وجائز أن يريد به جميع المؤمنين وتكون الكناية عنهم جميعا لدلالة الحال عليه، كقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) [القدر: 1] يعني القرآن، وقوله: (ما ترك على ظهرها من دابة) [فاطر:
45] وهو يعني الأرض، وقوله: (حتى توارت بالحجاب) [ص: 32) يعني الشمس، فكنى عن هذه الأمور من غير ذكرها مظهرة في الخطاب لدلالة الحال عليها، كذلك قوله: (خذ من أموالهم صدقة) يحتمل أن يريد به أموال المؤمنين، وقوله: (تطهرهم وتزكيهم بها) يدل على ذلك، فإن كانت الكناية عن المذكورين في الخطاب من المعترفين بذنوبهم فإن دلالته ظاهرة على وجوب الأخذ من سائر المسلمين، لاستواء