أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٨٢
فاستحقوها كلهم كسائر الحقوق التي للآدميين. ويدل على ذلك أن الله أوجب في الكفارة إطعام مساكين ولو أعطى الفقراء جاز، فكذلك جائز أن يعطى ما سمي للمساكين في آية الصدقات للفقراء والوصية مخالفة لذلك، لأنه لو أوصى لزيد لم يعط عمرو.
قوله تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين). قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك: " يقولون هو صاحب أذن يصغي إلى كل أحد ". وقيل: إن أصله من أذن يأذن إذا سمع، قال الشاعر:
في سماع يأذن الشيخ له * وحديث مثل ماذي مشار ومعناه: أذن صلاح لكم لا أذن شر. وقوله: (يؤمن للمؤمنين) قال ابن عباس:
" يصدق المؤمنين "، ودخول " اللام " ههنا كدخوله في قوله: (قل عسى أن يكون ردف لكم) [النمل: 72] ومعناه: ردفكم. وقيل: إنما أدخلت " اللام " للفرق بين إيمان التصديق وإيمان الأمان، فإذا قيل: " ويؤمن للمؤمنين " لم يعقل به غير التصديق وهو كقوله تعالى: (قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم) [التوبة: 94] أي لن نصدقكم، وكقوله:
(وما أنت بمؤمن لنا) [يوسف: 17]. ومن الناس من يحتج بذلك في قبول خبر الواحد لإخبار الله تعالى عن نبيه أنه يصدق المؤمنين فيما يخبرونه به، وهذا لعمري يدل على قبوله في أخبار المعاملات فأما أخبار الديانات وأحكام الشرع فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إلى أن يسمعها من أحد إذ كان الجميع عنه يأخذون وبه يقتدون فيها.
قوله تعالى: (والله ورسوله أحق أن يرضوه). قيل إنه إنما رد ضمير الواحد في قوله: (يرضوه)، لأن رضا الله ينتظم رضا الرسول، إذ كل ما رضي الله فقد رضيه لرسوله، فترك ذكر ضمير الرسول لدلالة الحال عليه. وقيل: إن اسم الله تعالى لا يجمع مع اسم غيره في الكناية تعظيما بإفراد الذكر، وقد روي أن رجلا خطب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قم فبئس الخطيب أنت " فأنكر الجمع بين اسم الله وبين اسمه في الكناية.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن جمع اسم غير الله إلى اسمه بحرف الجمع، فقال:
" لا تقولوا إن شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا إن شاء الله ثم شاء فلان ".
قوله تعالى: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم). قال الحسن ومجاهد: " كانوا يحذرون "، فحملاه على معنى الإخبار عنهم بأنهم يحذرون. وقال غيرهما: " صورته صورة الخبر ومعناه الأمر تقديره: ليحذر المنافقون ".
وقوله تعالى: (إن الله مخرج ما تحذرون) إخبار من الله باخراج إضمار السوء
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»