أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٧٢
حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا معمر قال: سمعت أبي يحدث عن جيش عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقا إلى عمكما لعله يستعملكما على الصدقة، فجاءا فحدثا نبي الله صلى الله عليه وسلم بحاجتهما، فقال لهما نبي الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء لأنها غسالة الأيدي، إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكما أو يكفيكما ".
وروي عن علي أنه قال للعباس: سل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملك على الصدقة، فسأله فقال:
" ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس ". وروى أن الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث سألا النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملهما على الصدقة ليصيبا منها، فقال: " إن الصدقة لا تحل لآل محمد " فمنعهما أخذ العمالة ومنع أبا رافع ذلك أيضا وقال: " مولى القوم منهم ".
واحتج المبيحون لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى اليمن على الصدقة، ورآه جابر وأبو سعيد جميعا. ومعلوم أنه قد كانت ولايته على الصدقات وغيرها، ولا حجة في هذا لهم، لأنه لم يذكر أن عليا أخذ عمالته منها، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (خذ من أموالهم صدقة) ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأخذ من الصدقة عمالة، وقد كان علي بن أبي طالب حين خرج إلى اليمن فولي القضاء والحرب بها، فجائز أن يكون أخذ رزقه من مال الفئ لا من جهة الصدقة.
فإن قيل: فقد يجوز أن يأخذ الغني عمالته منها وإن لم تحل له الصدقة فكذلك بنو هاشم. قيل له: لأن الغني من أهل هذه الصدقة لو افتقر أخذ منها والهاشمي لا يأخذ منها بحال.
فإن قيل: إن العامل لا يأخذ عمالته صدقة وإنما يأخذها أجرة لعمله كما روي أن بريرة كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم مما يتصدق به عليها ويقول صلى الله عليه وسلم: " هي لها صدقة ولنا هدية ".
قيل له: الفصل بينهما أن الصدقة كانت تحصل في ملك بريرة ثم تهديها للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان بين ملك المتصدق وبين ملك النبي صلى الله عليه وسلم واسطة ملك آخر، وليس بين ملك المأخوذ منه وبين ملك العامل واسطة لأنها لا تحصل في ملك الفقراء حتى يأخذها العامل.
باب من لا يجوز أن يعطى من الزكاة من الفقراء قال الله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) فاقتضى ظاهره جواز إعطائها لمن شمله الاسم منهم قريبا كان أو بعيدا لولا قيام الدلالة على منع إعطاء بعض الأقرباء.
وقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال أصحابنا جميعا: " لا يعطى منها والد وإن علا
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»