أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٥٦
لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) لم يحتمل أن يريد بقوله: (ومن يتولهم منكم) مشركي العرب. قيل له: لما كان المخاطبون بأول الآية في ذلك الوقت هم العرب، جاز أن يريد بقوله: (ومن يتولهم منكم) العرب، فيفيد أن مشركي العرب إذا تولوا اليهود أو النصارى بالديانة والانتساب إلى الملة يكونون في حكمهم وإن لم يتمسكوا بجميع شرائع دينهم. ومن الناس من يقول فيمن اعتقد من أهل ملتنا بعض المذاهب الموجبة لإكفار معتقديها: إن الحكم بإكفاره لا يمنع أكل ذبيحته ومناكحة المرأة منهم إذا كانوا منتسبين إلى ملة الاسلام، وإن كفروا باعتقادهم لما يعتقدونه من المقالة الفاسدة، إذ كانوا في الجملة متولين لأهل الاسلام منتسبين إلى حكم القرآن، كما أن من انتحل النصرانية أو اليهودية كان حكمه حكمهم وإن لم يكن متمسكا بجميع شرائعهم، ولقوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وكان أبو الحسن الكرخي ممن يذهب إلى ذلك.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال الحسن وقتادة والضحاك وابن جريج: " نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومن قاتل معه أهل الردة ". وقال السدي: " هي في الأنصار ". وقال مجاهد: " في أهل اليمن ". وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري قال:
لما نزلت: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) أومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ معه إلى أبي موسى، فقال: " هم قوم هذا ".
مطلب: الدليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وفي الآية دلالة على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وذلك لأن الذين ارتدوا من العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إنما قاتلهم أبو بكر وهؤلاء الصحابة، وقد أخبر الله أنه يحبهم ويحبونه وأنهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ومعلوم أن من كانت هذه صفته فهو ولي الله. ولم يقاتل المرتدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء المذكورين وأتباعهم، ولا يتهيأ لأحد أن يجعل الآية في غير المرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من العرب ولا في غير هؤلاء الأئمة، لأن الله تعالى لم يأت بقوم يقاتلون المرتدين المذكورين في الآية غير هؤلاء الذين قاتلوا مع أبي بكر.
مطلب: الدليل على صحة إمامة أبي بكر رضي الله عنه ونظير ذلك أيضا في دلالته على صحة إمامة أبي بكر قوله تعالى: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا) [الفتح: 16] لأنه كان الداعي لهم إلى قتال أهل الردة، وأخبر تعالى
(٥٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 551 552 553 554 555 556 557 558 559 560 561 ... » »»