أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٦٠
للماضي فهو للتوبيخ، كقوله تعالى: (لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء) [النور: 13] و (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) [النور: 12]. وقيل في الرباني: إنه العالم بدين الرب، فنسب إلى الرب، كقولهم: " روحاني " في النسبة إلى الروح، و " بحراني " في النسبة إلى البحر. وقال الحسن: " الربانيون علماء أهل الإنجيل، والأحبار علماء أهل التوراة ". وقال غيره: " هو كله في اليهود، لأنه متصل بذكرهم ".
وذكر لنا أبو عمر غلام ثعلب عن ثعلب قال: " الرباني العالم العامل ". وقد اقتضت الآية وجوب إنكار المنكر بالنهي عنه والاجتهاد في إزالته، لذمه من ترك ذلك.
قوله تعالى: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم). وروي عن ابن عباس وقتادة والضحاك أنهم وصفوه بالبخل وقالوا: هو مقبوض العطاء، كقوله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) [الإسراء: 29]. وقال الحسن:
" قالوا هي مقبوضة عن عقابنا ".
مطلب: في معاني اليد واليد في اللغة تنصرف على وجوه: منها الجارحة وهي معروفة. ومنها النعمة، تقول: لفلان عندي يد أشكره عليها، أي نعمة. ومنها القوة. فقوله أولي الأيدي فسروه بأولي القوى، ونحوه قول الشاعر:
تحملت من ذلفاء ما ليس لي به * ولا للجبال الراسيات يدان ومنها الملك، ومنه قوله: (الذي بيده عقدة النكاح) [البقرة: 237] يعني يملكها. ومنها الاختصاص بالفعل، كقوله تعالى: (خلقت بيدي) [ص: 75] أي توليت خلقه. ومنها التصرف، كقولك: " هذه الدار في يد فلان " يعني التصرف فيها بالسكنى أو الإسكان ونحو ذلك. وقيل: إنه قال تعالى: (بل يداه) على وجه التثنية، لأنه أراد نعمتين: إحداهما نعمة الدنيا، والأخرى نعمة الدين. والثاني: قوتاه بالثواب والعقاب، على خلاف قول اليهود، لأنه لا يقدر على عقابنا. وقيل: إن التثنية للمبالغة في صفة النعمة، كقولك: " لبيك وسعديك ". وقيل في قوله تعالى: (غلت أيديهم) يعني في جهنم، روي عن الحسن.
قوله تعالى: (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) فيه إخبار بغلبة المسلمين لليهود الذين تقدم ذكرهم في قوله: (وقالت اليهود يد الله مغلولة)، وفيه دلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر به عن الغيب مع كثرة اليهود وشدة شوكتهم، وقد كان من
(٥٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 555 556 557 558 559 560 561 562 563 564 565 ... » »»