فإن قال قائل: فالمراد أنهم يتصدقون ويصلون، ولم يرد به فعل الصدقة في الصلاة. قيل له: هذا تأويل ساقط، من قبل أن قوله تعالى: (وهم راكعون) إخبار عن الحال التي تقع فيها الصدقة، كقولك: تكلم فلان وهو قائم، وأعطى فلانا وهو قاعد، إنما هو إخبار عن حال الفعل. وأيضا لو كان المراد ما ذكرت، كان تكرارا لما تقدم ذكره في أول الخطاب قوله تعالى: (الذين يقيمون الصلاة) ويكون تقديره: " الذين يقيمون الصلاة ويصلون " وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى، فثبت أن المعنى ما ذكرنا من مدح الصدقة في حال الركوع أو في حال الصلاة. وقوله تعالى: (ويؤتون الزكاة وهم راكعون) يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة، لأن عليا تصدق بخاتمه تطوعا، وهو نظير قوله تعالى: (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) [الروم:
39] قد انتظم صدقة الفرض والنفل، فصار اسم الزكاة يتناول الفرض والنفل كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين.
باب الأذان قال الله تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا) قد دلت هذه الآية على أن للصلاة أذانا يدعى به الناس إليها، ونحوه قوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) [الجمعة: 9]. وقد روى عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ قال: كانوا يجتمعون للصلاة لوقت يعرفونه ويؤذن بعضهم بعضا، حتى نقسوا أو كادوا أن ينقسوا، فجاء عبد الله بن زيد الأنصاري وذكر الأذان، فقال عمر:
قد طاف بي الذي طاف به ولكنه سبقني. وروى الزهري عن سالم عن أبيه قال: " استشار النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على ما يجمعهم في الصلاة، فقالوا: البوق، فكرهه من أجل اليهود " وذكر قصة عبد الله بن زيد وأن عمر رأى مثل ذلك. فلم يختلفوا أن الأذان لم يكن مسنونا قبل الهجرة، وأنه إنما سن بعدها. وقد روى أبو يوسف عن محمد بن بشر الهمداني قال:
سألت محمد بن علي عن الأذان كيف كان أوله وما كان؟ فقال: شأن الأذان أعظم من ذلك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به جمع النبيون ثم نزل ملك من السماء لم ينزل قبل ليلته فأذن كأذانكم وأقام كإقامتكم ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبيين. قال أبو بكر: ليلة أسري به كان بمكة، وقد صلى بالمدينة بغير أذان واستشار أصحابه فيما يجمعهم به للصلاة، ولو كانت تبدئة الأذان قد تقدمت قبل الهجرة لما استشار فيه، وقد ذكر معاذ وابن عمر في قصة الأذان ما ذكرنا.