أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٦٧
عروة عن أبيه عن عائشة قالت: " لغو اليمين لا والله وبلى والله " موقوفا عليها. وروى عكرمة عن ابن عباس في لغو اليمين: " أن يحلف على الأمر يراه كذلك وليس كذلك ".
وروي عن ابن عباس أيضا " أن لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان ". وروي عن الحسن والسدي وإبراهيم مثل قول عائشة. وقال بعض أهل العلم: " اللغو في اليمين هو الغلط من غير قصد، على نحو قول القائل لا والله وبلى والله على سبق اللسان ". وقال بعضهم:
" اللغو في اليمين أن تحلف على معصية أن تفعلها فينبغي أن لا تفعلها ولا كفارة فيه "، وروي فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها ".
وقد اختلف فقهاء الأمصار في ذلك أيضا، فقال أصحابنا: اللغو هو قوله: " لا والله وبلى والله " فيما يظن أنه صادق فيه على الماضي. وقال مالك والليث نحو ذلك، وهو قول الأوزاعي. وقال الشافعي: " اللغو هو المعقود عليه "، وقال الربيع عنه: " من حلف على شئ يرى أنه كذلك ثم وجده على غير ذلك فعليه كفارة ".
قال أبو بكر: لما قال الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) أبان بذلك أن لغو اليمين غير معقود منها، لأنه لو كان المعقود هو اللغو لما عطفه عليه ولما فرق بينهما في الحكم في نفيه المؤاخذة بلغو اليمين وإثبات الكفارة في المعقودة. ويدل على ذلك أيضا أن اللغو لما كان هو الذي لا حكم له، فغير جائز أن يكون هو اليمين المعقودة، ويدل على ذلك أيضا أن اللغو لما كان هو الذي لا حكم له، فغير جائز أن يكون هو اليمين المعقودة، لأن المؤاخذة قائمة في المعقودة وحكمها ثابت، فبطل بذلك قول من قال إن اللغو هو اليمين المعقودة وإن فيها الكفارة، فثبت بذلك أن معناه ما قال ابن عباس وعائشة وأنها اليمين على الماضي فيما يظن الحالف أنه كما قال.
مطلب: في أقسام اليمين والأيمان على ضربين: ماض ومستقبل، والماضي ينقسم قسمين: لغو وغموس، ولا كفارة في واحد منهما. والمستقبل ضرب واحد، وهو اليمين المعقودة، وفيها الكفارة إذا حنث. وقال مالك والليث مثل قولنا في الغموس أنه لا كفارة فيها. وقال الحسن بن صالح والأوزاعي والشافعي: " في الغموس الكفارة ". وقد ذكر الله تعالى هذه الأيمان الثلاث في الكتاب، فذكر في هذه الآية اليمين اللغو والمعقودة جميعا بقوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان)، وقال في سورة البقرة: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم)
(٥٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 ... » »»