أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٥٥
مطلب: الكافر لا يكون وليا للمسلم وفي هذه الآية دلالة على أن الكافر لا يكون وليا للمسلم لا في التصرف ولا في النصرة، ويدل على وجوب البراءة من الكفار والعداوة لهم، لأن الولاية ضد العداوة، فإذا أمرنا بمعاداة اليهود والنصارى لكفرهم فغيرهم من الكفار بمنزلتهم. ويدل على أن الكفر كله ملة واحدة، لقوله تعالى: (بعضهم أولياء بعض). ويدل على أن اليهودي يستحق الولاية على النصراني في الحال التي كان يستحقها لو كان المولى عليه يهوديا، وهو أن يكون صغيرا أو مجنونا، وكذلك الولاية بينهما في النكاح هو على هذا السبيل.
ومن حيث دلت على كون بعضهم أولياء بعض فهو يدل على إيجاب التوارث بينهما، وعلى ما ذكرنا من كون الكفر كله ملة واحدة وإن اختلفت مذاهبه وطرقه. وقد دل على جواز مناكحة بعضهم لبعض، اليهودي للنصرانية والنصراني لليهودية. وهذا الذي ذكرنا إنما هو في أحكامهم فيما بينهم، وأما فيما بينهم وبين المسلمين فيختلف حكم الكتابي وغير الكتابي في جواز المناكحة وأكل الذبيحة.
قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) يدل على أن حكم نصارى بني تغلب حكم نصارى بني إسرائيل في أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم، وروي ذلك عن ابن عباس والحسن. وقوله: (منكم) يجوز أن يريد به العرب، لأنه لو أراد المسلمين لكانوا إذا تولوا الكفار صاروا مرتدين، والمرتد إلى النصرانية واليهودية لا يكون منهم في شيء من أحكامهم، ألا ترى أنه لا تؤكل ذبيحة وإن كانت امرأة لم يجز نكاحها ولا يرثهم ولا يرثونه ولا يثبت بينما شئ من حقوق الولاية؟ وزعم بعضهم أن قوله: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) يدل على أن المسلم لا يرث المرتد، لإخبار الله أنه ممن تولاه من اليهود والنصارى، ومعلوم أن المسلم لا يرث اليهودي ولا النصراني، فكذلك لا يرث المرتد. قال أبو بكر: وليس فيه دلالة على ما ذكرنا، لأنه لا خلاف أن المرتد إلى اليهودية لا يكون يهوديا والمرتد إلى النصرانية لا يكون نصرانيا، ألا ترى أنه لا تؤكل ذبيحته ولا يجوز تزويجها إن كانت امرأة وأنه لا يرث اليهودي ولا يرثه؟ فكما لم يدل ذلك على إيجاب التوارث بينه وبين اليهودي والنصراني، كذلك لا يدل على أن المسلم لا يرثه، وإنما المراد أحد وجهين: إن كان الخطاب لكفار العرب فهو دال على أن عبدة الأوثان من العرب إذا تهودوا أو تنصروا كان حكمهم حكمهم في جواز المناكحة وأكل الذبيحة والإقرار على الكفر بالجزية، وإن كان الخطاب للمسلمين فهو إخبار بأنه كافر مثلهم بموالاته إياهم، فلا دلالة فيه على حكم الميراث.
فإن قال قائل: لما كان ابتداء الخطاب في المؤمنين، لأنه قال: (يا أيها الذين آمنوا
(٥٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 560 ... » »»