أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٥٢
قوله تعالى: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه) قال أبو بكر: فيه دلالة على أن ما لم ينسخ من شرائع الأنبياء المتقدمين فهو ثابت، على معنى أنه صار شريعة للنبي صلى الله عليه وسلم، لقوله: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه)، ومعلوم أنه لم يرد أمرهم باتباع ما أنزل الله في الإنجيل إلا على أنهم يتبعون النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه صار شريعة له، لأنهم لو استعملوا ما في الإنجيل مخالفين للنبي صلى الله عليه وسلم غير متبعين له لكانوا كفارا، فثبت بذلك أنهم مأمورون باستعمال أحكام تلك الشريعة على معنى أنها قد صارت شريعة للنبي عليه السلام.
قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: " مهيمنا يعني أمينا " وقيل: شاهدا، وقيل:
حفيظا، وقيل: مؤتمنا. والمعنى فيه أنه أمين عليه، ينقل إلينا ما في الكتب المتقدمة على حقيقته من غير تحريف ولا زيادة ولا نقصان، لأن الأمين على الشئ مصدق عليه، وكذلك الشاهد. وفي ذلك دليل على أن كل من كان مؤتمنا على شئ فهو مقبول القول فيه، من نحو الودائع والعواري والمضاربات ونحوها، لأنه حين أنبأ عن وجوب التصديق بما أخبر به القرآن عن الكتب المتقدمة سماه أمينا عليها، وقد بين الله تعالى في سورة البقرة أن الأمين مقبول القول فيما ائتمن فيه، وهو قوله تعالى: (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته وليتق الله ربه) [البقرة: 283] وقال: (وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا) [البقرة: 282] فلما جعله أمينا فيه وعظه بترك البخس.
وقد اختلف في المراد بقوله: (ومهيمنا). فقال ابن عباس: " هو الكتاب، وفيه إخبار بأن القرآن مهيمن على الكتب المتقدمة شاهد عليها ". وقال مجاهد: " أراد به النبي صلى الله عليه وسلم ".
قوله تعالى: (فاحكم بينهم بما أنزل الله) يدل على نسخ التخيير على ما تقدم من بيانه.
قوله تعالى: (ولا تتبع أهواءهم) يدل على بطلان قول من يردهم إلى الكنيسة أو البيعة للاستحلاف، لما فيه من تعظيم الموضع، وهم يهوون ذلك، وقد نهى الله تعالى عن اتباع أهوائهم. ويدل على بطلان قول من يردهم إلى دينهم لما فيه من اتباع أهوائهم والاعتداد بأحكامهم، ولأن ردهم إلى أهل دينهم إنما هو رد لهم ليحكموا فيهم بما هو كفر بالله عز وجل، إذ كان حكمهم بما يحكمون به كفرا بالله وإن كان موافقا لما أنزل في التوراة والإنجيل، لأنهم مأمورون بتركه واتباع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) الشرعة والشريعة واحد، ومعناها
(٥٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 ... » »»