أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٩٣
في ولاية مال اليتيم وحفظه: " إن عليهم أن يعملوا فيه ويقولوا بمثل ما يحب أن يعمل ويقال في أموال أيتامهم وضعاف ذريتهم بعد موتهم ". وجائز أن تكون هذه المعاني التي تأول السلف عليها الآية مرادة بها، إلا أن ما نهى عنه من الأمر بالوصية أن النهي عنها إذا قصد المشير بذلك إلى الإضرار بالورثة أو بالموصى لهم مما لا يرضاه هو لنفسه لو كان مكان هؤلاء، وذلك بأن يكون المريض قليل المال له ذرية ضعفاء فيأمره الذي يحضره باستغراق الثلث للوصية، ولو كان هو مكانه لم يرض بذلك وصية له لأجل ورثته، وهذا يدل على أن المستحب له إذا كان له ورثة ضعفاء وهو قليل المال أن لا يوصي بشئ ويتركه لهم أو يوصي لهم بأقل من الثلث. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال أوصي بجميع مالي؟ فقال: " لا " إلى أن رده إلى الثلث فقال: " الثلث والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس "، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الورثة إذا كانوا فقراء فترك الوصية ليستغنوا به أفضل من فعلها. وذكر الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه كان يقول: " الأفضل لمن له مال كثير الوصية بما يريد أن يوصي به على وجه القربة من ثلث ماله، والأفضل لمن ليس له مال كثير أن لا يوصي منه بشئ وأن يبقيه لورثته ".
والنهي منصرف أيضا إلى من يأمره من الحاضرين بأن يوصي بأكثر من الثلث، على ما روي عن الحسن، لأن ذلك لا يجوز أن يفعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الثلث كثير " ولنهيه سعدا عن الوصية بأكثر من الثلث. وجائز أن يكون ما قاله مقسم مرادا بأن يقول الحاضر: لا توص بشئ! ولو كان من ذوي قرابته لأحب أن يوصي له، فيشير عليه بما لا يرضاه لنفسه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ذلك، حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا هدبة قال: حدثنا همام قال: حدثنا قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ". وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا الحسن بن العباس الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا زياد بن عبد الله عن ليث عن طلحة عن خيثمة عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويحب أن يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتي إليه ". قال أبو بكر: فهذا معنى قوله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا)، فنهاه عز وجل أن يشير على غيره ويأمره بما لا يرضاه لنفسه ولأهله ولورثته، وأمر الله تعالى بأن يقول الحاضرون قولا سديدا وهو العدل والحق الذي لا خلل فيه ولا فساد في إجحاف بوارث أو حرمان لذي قرابة.
وقوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) الآية. روي عن ابن عباس
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»