وروى عن عمر أنه قال عند موته: " اعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئا ".
فهذه الأخبار التي ذكرنا تدل على أنه لم يقطع فيها بشئ وأن معناها والمراد بها كان ملتبسا عليه.
قال سعيد بن المسيب: كان عمر كتب كتابا في الكلالة، فلما حضرته الوفاة محاه وقال: " ترون فيه رأيكم "، فهذه إحدى الروايات عن عمر، وروى عنه أنه قال: " الكلالة من لا ولد له ولا والد " وروي عنه أن الكلالة من لا ولد له. وروي عن أبي بكر الصديق وعلي وابن عباس في إحدى الروايتين: " أن الكلالة ما عدا الوالد والولد " وروى محمد بن سالم عن الشعبي عن ابن مسعود أنه قال: " الكلالة ما خلا الوالد والولد "، وعن زيد بن ثابت مثله. وروي عن ابن عباس رواية أخرى: " أن الكلالة ما خلا الولد ".
قال أبو بكر: اتفقت الصحابة على أن الولد ليس من الكلالة، واختلفوا في الوالد، فقال الجمهور: " الوالد خارج من الكلالة ". وقال ابن عباس في إحدى الروايتين مثله، وفي رواية أخرى أن الكلالة ما عدا الولد. فلما اختلف السلف فيها على هذه الوجوه وسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن معناها فوكله إلى حكم الآية وما في مضمونها، وهي قوله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) [النساء: 176]، وقد كان عمر رجلا من أهل اللسان لا يخفى عليه ما طريق معرفته اللغة، ثبت أن معنى اسم الكلالة غير مفهوم من اللغة وأنه من متشابه الآي التي أمرنا الله تعالى بالاستدلال على معناه بالمحكم ورده إليه، ولذلك لم يجب النبي صلى الله عليه وسلم عمر عن سؤاله في معنى الكلالة ووكله إلى استنباطه والاستدلال عليه. وفي ذلك ضروب من الدلالة على المعاني، أحدها: أن بمسألته إياه لم يلزمه توقيفه على معناها من طريق النص، لأنه لو كان واجبا عليه توقيفه على معناها لما أخلاه النبي صلى الله عليه وسلم من بيانها، وذلك أنه لم يكن أمر الكلالة في الحال التي سأل عنها حادثة تلزمه تنفيذ حكمها في الحال، ولو كان كذلك لما أخلاه من بيانها، وإنما سأله سؤال مستفهم مسترشد لمعنى الآية من طريق النص، ولم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم توقيف الناس على جليل الأحكام ودقيقها، لأن منها ما هو مذكور باسمه وصفته ومنها ما هو مدلول عليه بدلالة مفضية إلى العلم به لا احتمال فيه ومنها ما هو موكول إلى اجتهاد الرأي، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عمر إلى اجتهاده، وهذا يدل على أنه رآه من أهل الاجتهاد، وأنه ممن قال الله تعالى: (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [النساء: 83]. وفيه الدلالة على تسويغ اجتهاد الرأي في الأحكام وأنه أصل يرجع إليه في أحكام الحوادث والاستدلال على معاني الآي المتشابهة وبنائها على المحكم، واتفاق الصحابة أيضا على تسويغ الاجتهاد في استخراج معاني الكلالة يدل على ذلك، ألا ترى أن بعضهم قال: " هو من لا