قوله: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين). وقد كانوا مقرين بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم على ما كانوا عليه في الجاهلية في المناكحات والطلاق والميراث إلى أن نقلوا عنه إلى غيره بالشريعة، قال ابن جريج: قلت لعطاء: أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر الناس على ما أدركهم صلى الله عليه وسلم من طلاق أو نكاح أو ميراث؟ قال: لم يبلغنا إلا ذلك. وروى حماد بن زيد عن ابن عون عن ابن سيرين قال: " توارث المهاجرون والأنصار بنسبهم الذي كان في الجاهلية ". وقال ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: " ما كان من نكاح أو طلاق في الجاهلية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك إلا الربا، فما أدرك الاسلام من ربا لم يقبض رد إلى البائع رأس ماله وطرح الربا ". وروى حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: " بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم والناس على أمر جاهليتهم إلى أن يؤمروا بشئ أو ينهوا عنه، وإلا فهم على ما كانوا عليه من أمر جاهليتهم "، وهو على ما روي عن ابن عباس أنه قال: " الحلال ما أحل الله تعالى والحرام ما حرم الله تعالى، وما سكت عنه فهو عفو ". فقد كانوا مقرين بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يحظره العقل على ما كانوا عليه، وقد كانت العرب متمسكة ببعض شرائع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وقد كانوا أحدثوا أشياء منها ما يحظره العقل نحو الشرك وعبادة الأوثان ودفن البنات وكثير من الأشياء المقبحة في العقول، وقد كانوا على أشياء من مكارم الأخلاق وكثير من المعاملات التي لا تحضرها العقول، فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم داعيا إلى التوحيد وترك ما تحضره العقول من عبادة الأوثان ودفن البنات والسائبة والوصيلة والحامي وما كانوا يتقربون به إلى أوثانهم، وتركهم فيما لم يكن العقل يحظره من المعاملات وعقود البياعات والمناكحات والطلاق والمواريث على ما كانوا عليه، فكان ذلك جائزا منهم، إذ ليس في العقل حظره ولم تقم حجة السمع عليهم بتحريمه، فكان أمر مواريثهم على ما كانوا عليه من توريث الذكور المقاتلة منهم دون الصغار ودون الإناث إلى أن أنزل الله تعالى آي المواريث. وكان السبب الذي يتوارثون به شيئين، أحدهما: الحلف والمعاقدة، والآخر:
التبني، ثم جاء الاسلام فتركوا برهة من الدهر على ما كانوا عليه ثم نسخ، فمن الناس من يقول إنهم كانوا يتوارثون بالحلف والمعاقدة بنص التنزيل ثم نسخ، وقال شيبان عن قتادة في قوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) [النساء: 33] قال: " كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك