وورد أيضا في تفسير قوله: " إن قرآن الفجر كان مشهودا " أسرى: 78 أخبار مستفيضة من طرق الفريقين دالة على أن كتبة الأعمال بالنهار يصعدون بعد غروب الشمس وينزل آخرون فيكتبون أعمال الليل حتى إذا طلع الفجر صعدوا ونزل ملائكة النهار وهكذا.
وفي الآية أعني قوله: " يعلمون ما تفعلون دلالة على أن الكتبة عالمون بالنيات إذ لا طريق لا طريق إلى العلم بخصوصيات الافعال وعناوينها وكونها خيرا أو شرا أو حسنة أو سيئة إلا العلم بالنيات فعلمهم بالافعال لا يتم إلا عن العلم بالنيات.
قوله تعالى: " إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " استئناف مبين لنتيجة حفظ الأعمال بكتابة الكتبة وظهورها يوم القيامة.
والأبرار هم المحسنون عملا، والفجار هم المنخرقون بالذنوب والظاهر أن المراد بهم المتهتكون من الكفار إذ لا خلود لمؤمن في النار، وفي تنكير " تعيم " و " جحيم " إشعار بالتفحيم والتهويل - كما قيل -.
قوله تعالى: " يصلونها يوم الدين " الضمير للجحيم أي يلزمون يعني الفجار الجحيم يوم الجزاء ولا يفارقونها.
قوله تعالى: " وما هم عنها بغائبين " عطف تفسيري على قوله: " يصلونها " الخ يؤكد معنى ملازمتهم للجحيم وخلودهم في النار، والمراد بغيبتهم عنها خروجهم منها فالآية في معنى قوله: " وما هم بخارجين من النار " البقرة: 167.
قوله تعالى: " وما أدراك ما يوم الدين " تهويل وتفخيم لأمر يوم الدين، والمعنى لا تحيط علما بحقيقة يوم الدين وهذا التعبير كناية عن فخامة أمر الشئ وعلوه من أن يناله وصف الواصف، وفي إظهار اليوم - والمحل محل الضمير - تأكيد لأمر التفخيم.
قوله تعالى: " ثم ما أدراك ما يوم الدين " في تكرار الجملة تأكيد للتفخيم.
قوله تعالى: " يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله " الظرف منصوب بتقدير أذكر ونحوه، وفي الآية بيان إجمالي لحقيقة يوم الدين بعد ما في قوله: " وما أدراك ما يوم الدين " من الحث على معرفته.
وذلك أن رابطة التأثير والتأثر بين الأسباب الظاهرية ومسبباتها منقطعة زائلة يومئذ كما يستفاد من أمثال قوله تعالى: " وتقطعت بهم الأسباب " البقرة: 166، وقوله:
" ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا " البقرة: 165 فلا تملك نفس