تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٢٥
جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين ".
وقوله: " الذي خلقك فسواك فعدلك " بيان لربوبيته المتلبسة بالكرم فإن من تدبيره خلق الانسان بجمع أجزاء وجوده ثم تسويته بوضع كل عضو فيما يناسبه من الموضع على ما يقتضيه الحكمة ثم عدله بعدل بعض أعضائه وقواه ببعض بجعل التوازن والتعادل بينها فما يضعف عنه عضو يقوى عليه عضو فيتم به فعله كما أن الاكل مثلا بالالتقام وهو للفم، ويضعف الفم عن قطع اللقمة ونهشها وطحنها فيتم ذلك بمختلف الأسنان، ويحتاج ذلك إلى نقل اللقمة من جانب من الفم إلى آخر وقلبها من حال إلى حال فجعل ذلك للسان ثم الفم يحتاج في فعل الاكل إلى وضع الغذاء فيه فتوصل إلى ذلك باليد وتمم عملها بالكف وعملها بالأصابع على اختلاف منافعها وعملها بالأنامل، وتحتاج اليد في الاخذ والوضع إلى الانتقال المكاني نحو الغذاء وعدل ذلك بالرجل.
وعلى هذا القياس في أعمال سائر الجوارح والقوى وهي ألوف وألوف لا يحصيها العد، والكل من تدبيره تعالى وهو المفيض لها من غير أن يريد بذلك انتفاعا لنفسه ومن غير أن يمنعه من إفاضتها ما يقابله به الانسان من نسيان الشكر وكفران النعمة فهو تعالى ربه الكريم.
وقوله: " في أي صورة ما شاء ركبك " بيان لقوله: " عدلك " ولذا لم يعطف على ما تقدمه والصورة ما ينتقش به الأعيان ويتميز به الشئ من غيره و " ما " زائدة للتأكيد.
والمعنى: في أي صورة شاء أن يركبك - ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة - ركبك من ذكر وأنثى وأبيض وأسود وطويل وقصير ووسيم ودميم وقوي وضعيف إلى غير ذلك وكذا الأعضاء المشتركة بين أفراد الانسان المميزة لها من غيرها كاليدين والرجلين والعينين والرأس والبدن واستواء القامة ونحوها فكل ذلك من عدل بعض الاجزاء ببعض في التركيب قال تعالى: " لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم " التين: 4 والجميع ينتهي إلى تدبير الرب الكريم لا صنع للانسان في شئ من ذلك.
قوله تعالى: " كلا بل تكذبون بالدين " " كلا " ردع عن اغترار الانسان بكرم الله وجعل ذلك ذريعة إلى الكفر والمعصية أي لا تغتروا فلا ينفعكم الاغترار.
وقوله: " بل تكذبون بالدين " أي بالجزاء. إضراب عما يفهم من قوله: " ما غرك بربك الكريم " من غرور الانسان بربه الكريم على اعتراف منه ولو بالقوة بالجزاء لقضاء
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»
الفهرست