أمر القرآن دافعا عنه ارتيابهم فيه بما يرمون به الجائي به من الجنون وغيره على إيجاز متون الآيات فبين أولا أنه كلام الله واتكاء هذه الحقيقة على آيات التحدي، وثانيا أن نزوله برسالة ملك سماوي جليل القدر عظيم المنزلة وهو أمين الوحي جبريل لا حاجز بينه وبين الله ولا بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا صارف من نفسه أو غيره يصرفه عن أخذه ولا حفظه ولا تبليغه، وثالثا أن الذي انزل عليه وهو يتلوه لكم وهو صاحبكم الذي لا يخفى عليكم حاله ليس بمجنون كما يبهتونه به وقد رآى الملك الحامل للوحي وأخذ عنه وليس بكاتم لما يوحى إليه ولا بمغير، ورابعا أنه ليس بتسويل من إبليس وجنوده ولا بإلقاء من بعض أشرار الجن.
ونتيجة هذا البيان أن القرآن كتاب هدى يهتدي به من أراد الاستقامة على الحق وهو قوله: " إن هو إلا ذكر للعالمين " الخ.
فقوله: " فأين تذهبون " توطئة وتمهيد لذكر نتيجة البيان السابق، وهو استضلال لهم فيما يرونه في أمر القرآن الكريم أنه من طواري الجنون أو من تسويلات الشيطان الباطلة.
فالاستفهام في الآية توبيخي والمعنى إذا كان الامر على هذا فأين تذهبون وتتركون الحق وراءكم؟
قوله تعالى: " إن هو الا ذكر للعالمين " أي تذكرة لجماعات الناس كائنين من كانوا يمكنهم بها أن يتبصروا للحق، وقد تقدم بعض الكلام في نظيرة الآية.
قوله تعالى: " لمن شاء منكم أن يستقيم " بدل من قوله: " للعالمين " مسوق لبيان أن فعلية الانتفاع بهذا الذكر مشروط بأن يشاؤا الاستقامة على الحق وهو التلبس بالثبات على العبودية والطاعة.
قوله تعالى: " وما تشاؤن الا أن يشاء الله رب العالمين " تقدم الكلام في معناه في نظائر الآية.
والآية بحسب ما يفيده السياق في معنى دفع الدخل فإن من الممكن أن يتوهموا من قوله: " لمن شاء منكم أن يستقيم " أن لهم الاستقلال في مشية الاستقامة أن شاؤوا استقاموا وأن لم يشاؤا لم يستقيموا، فلله إليهم حاجة في الاستقامة التي يريدها منهم.
فدفع ذلك بأن مشيتهم متوقفة على مشية الله سبحانه فلا يشاؤن الاستقامة الا أن يشاء الله أن يشاؤها، فأفعال الانسان الإرادية مرادة لله تعالى من طريق ارادته وهو أن