تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢١٨
قوله تعالى: " إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين " جواب القسم، وضمير " إنه " للقرآن أو لما تقدم من آيات السورة بما أنها قرآن بدليل قوله:
" لقول رسول " الخ والمراد بالرسول جبريل كما قال تعالى: " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " البقرة: 97.
وفي إضافة القول إليه بما أنه رسول دلالة على أن القول لله سبحانه، ونسبته إلى جبريل نسبة الرسالة إلى الرسول وقد وصفه الله بصفات ست مدحه بها.
فقوله: " رسول " يدل على رسالته وإلقائه وحي القرآن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقوله:
" كريم " أي ذي كرامة وعزة عند الله بإعزازه، وقوله: " ذي قوة " أي ذي قدرة وشدة بالغة، وقوله: " عند ذي العرش مكين " أي صاحب مكانة عند الله والمكانة القرب والمنزلة، وقوله: " مطاع ثم " أي مطاع عند الله فهناك ملائكة يأمرهم فيطيعونه، ومن هنا يظهر أن له أعوانا من الملائكة يأمرهم فيأتمرون بأمره، وقوله: " أمين " أي لا يخون فيما امر به يبلغ ما حمله من الوحي والرسالة من غير أي تصرف فيه وقيل: المراد بالرسول الجاري عليه الصفات هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو كما ترى ولا تلائمه الآيات التالية.
قوله تعالى: " وما صاحبكم بمجنون " عطف على قوله: " إنه لقول " الخ ورد لرميهم له صلى الله عليه وآله وسلم بالجنون.
وفي التعبير عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " صاحبكم " تكذيب لهم في رميهم له بالجنون وتنزيه لساحته - كما قيل - ففيه إيماء إلى أنه صاحبكم لبث بينكم معاشرا لكم طول عمره وأنتم أعرف به قد وجدتموه على كمال من العقل ورزانة من الرأي وصدق من القول ومن هذه صفته لا يرمى بالجنون.
وتوصيف جبريل بما مر من صفات المدح دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا دلالة فيه على أفضليته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لان الكلام مسوق لبيان أن القرآن كلام الله سبحانه منزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده سبحانه من طريق الوحي لا من أوهام الجنون بالقاء من شيطان والذي يفيد في هذا الغرض بيان سلامة طريق الانزال وتجليل المنزل - اسم فاعل - بذكر أوصافه الكريمة والمبالغة في تنزيهه عن الخطأ والخيانة، وأما المنزل عليه فلا يتعلق به غرض إلا بمقدار الإشارة إلى دفع ما يرتاب فيه من صفته وقد أفيد بنفي الجنون الذي رموه به
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست