تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٠٦
وذلك أن الانسان سائر إليه تعالى كما قال: " يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " الانشقاق: 6 وقال: " إن إلى ربك الرجعي " العلق: 8 وقال: " وأن إلى ربك المنتهى " النجم: 42 فهو ملاقي ربه راجع ومنته إليه لا حاجب يحجبه عنه ولا مانع يمنعه منه واما الحجاب الذي يشير إليه قوله: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " المطففين: 15 فسياق الآيتين يعطي ان المراد به حجاب الحرمان من الكرامة لا حجاب الجهل أو الغيبة.
ويمكن ان يكون المراد بكون مستقره إليه رجوع امر ما يستقر فيه من سعادة أو شقاوة وجنة أو نار إلى مشيته تعالى فمن شاء جعله في الجنة وهم المتقون ومن شاء جعله في النار وهم المجرمون قال تعالى: " يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء " المائدة: 40.
ويمكن ان يراد به ان استقرارهم يومئذ إلى حكمه تعالى فهو النافذ فيهم لا غير قال تعالى: " كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون " القصص: 88.
قوله تعالى: " ينبؤ الانسان يومئذ بما قدم واخر " المراد بما قدم واخر ما عمله من حسنة أو سيئة في أول عمره وآخره أو ما قدمه على موته من حسنة أو سيئة وما اخر من سنة حسنة سنها أو سنة سيئة فيثاب بالحسنات ويعاقب على السيئات.
وقيل: المراد بما قدم ما عمله من حسنة أو سيئة فيثاب على الأول ويعاقب على الثاني، وبما أخر ما تركه من حسنة أو سيئة فيعاقب على الأول ويثاب على الثاني، وقيل، المراد ما قدم من المعاصي وما أخر من الطاعات، وقيل، ما قدم من طاعة الله واخر من حقه فضيعه، وقيل: ما قدم من ماله لنفسه وما ترك لورثته وهي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم.
قوله تعالى: " بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره " إضراب عن قوله، ينبؤا الانسان " الخ، والبصيرة رؤية القلب والادراك الباطني وإطلاقها على الانسان من باب زيد عدل أو التقدير الانسان ذو بصيرة على نفسه.
وقيل: المراد بالبصيرة الحجة كما في قوله تعالى، " ما انزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر " اسرى، 102 والانسان نفسه حجة على نفسه يومئذ حيث يسأل عن سمعه وبصره وفؤاده ويشهد عليه سمعه وبصره وجلده ويتكلم يداه ورجلاه، قال تعالى:
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»
الفهرست