تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٨١
الحديث ولذلك وجه الخطاب بالجواب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا).
وذلك أن قولهم: (بل تحسدوننا) إضراب عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بأمر الله: (لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) فمعنى قولهم: إن منعنا من الاتباع ليس عن أمر من قبل الله بل إنما تمنعنا أنت ومن معك من المؤمنين أهل الحديبية أن نشارككم في الغنائم وتريدون أن تختص بكم.
وهذا كلام لا يواجه به مؤمن له عقل وتمييز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعصوم الذي لا يرد ولا يصدر في شأن إلا بأمر من الله اللهم إلا أن يكون من بساطة العقل وبلادة الفهم فهذا القول الذي واجهوا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم مدعون للايمان والاسلام أدل دليل على ضعف تعقلهم وقلة فقههم.
ومن هنا يظهر أن المراد بعدم فقههم إلا قليلا بساطة عقلهم وضعف فقههم للقول لا أنهم يفقهون بعض القول ولا يفقهون بعضه وهو الكثير ولا أن بعضهم يفقه القول وجلهم لا يفقهونه كما فسره به بعضهم.
قوله تعالى: (قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون) الخ، اختلفوا في هذا القوم من هم؟ فقيل: المراد به هوازن، وقيل: ثقيف، وقيل: هوازن وثقيف، وقيل: هم الروم في غزاة مؤتة وتبوك، وقيل: هم أهل الردة قاتلهم أبو بكر بعد الرحلة، وقيل: هم الفارس، وقيل:
أعراب الفارس وأكرادهم.
وظاهر قوله: (ستدعون) أنهم بعض الأقوام الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد فتح خيبر من هوازن وثقيف والروم في مؤتة، وقوله تعالى سابقا: (قل لن تتبعونا) ناظر إلى نفي اتباعهم في غزوة خيبر على ما يفيده السياق.
وقوله: (تقاتلونهم أو يسلمون) استئناف يدل على التنويع أي إما تقاتلون أو يسلمون أي أنهم مشركون لا تقبل منهم جزية كما تقبل من أهل الكتاب بل إما أن يقاتلوا أو يسلموا.
ولا يصح أخذ (تقاتلونهم) صفة لقوم لأنهم يدعون إلى قتال القوم لا إلى قتال
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»
الفهرست