شيئا إذ قال سبحانه: " يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " الأنبياء: 69.
وقد اختتم بهذا فصل من قصص إبراهيم عليه السلام وهو انتهاضه أولا على عبادة الأوثان واختصامه لعبادها وانتهاء أمره إلى إلقائه النار وإبطاله تعالى كيدهم.
قوله تعالى: " وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين " فصل آخر من قصصه عليه السلام يذكر عزمه على المهاجرة من بين قومه واستيهابه من الله ولدا صالحا وإجابته إلى ذلك وقصة ذبحه ونزول الفداء.
فقوله: " وقال إني ذاهب إلى ربي " الخ كالانجاز لما وعدهم به مخاطبا لآزر:
" واعتز لكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " مريم: 48 ومنه يعلم أن مراده بالذهاب إلى ربه الذهاب إلى مكان يتجرد فيه لعبادته تعالى ودعائه وهو الأرض المقدسة.
وقول بعضهم: إن المراد أذهب إلى حيث أمرني ربي لا شاهد عليه.
وكذا قول بعضهم: إن المراد إني ذاهب إلى لقاء ربي حيث يلقونني في النار فأموت وألقي ربي سيهديني إلى الجنة.
وفيه - كما قيل - أن ذيل الآية لا يناسبه وهو قوله: " رب هب لي من الصالحين " وكذا قوله بعده: " فبشرناه بغلام حليم ".
قوله تعالى: " رب هب لي من الصالحين " حكاية دعاء إبراهيم عليه السلام ومسألته الولد أي قال: رب هب لي " الخ " وقد قيده بكونه من الصالحين.
قوله تعالى: " فبشرناه بغلام حليم " أي فبشرناه أنا سنرزقه غلاما حليما وفيه إشارة إلى أنه يكون ذكرا ويبلغ حد الغلمان، وأخذ الغلومة في وصفه مع أنه بلغ مبلغ الرجال للإشارة إلى حاله التي يظهر فيها صفة كماله وصفاء ذاته وهو حلمه الذي مكنه من الصبر في ذات الله إذ قال: " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ".
ولم يوصف في القرآن من الأنبياء بالحلم إلا هذا النبي الكريم في هذه الآية وأبوه في قوله تعالى: " إن إبراهيم لحليم أواه منيب " هود: 75.