قوله تعالى: " أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم - إلى قوله - يهرعون " مقايسة بين ما هيأه الله نزلا لأهل الجنة مما وصفه من الرزق الكريم وبين ما أعده نزلا لأهل النار من شجرة الزقوم التي طلعها كأنه رؤس الشياطين وشراب من حميم.
فقوله: " أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم " الإشارة بذلك إلى الرزق الكريم المذكورة سابقا المعد لورود أهل الجنة والنزل بضمتين ما يهيؤ لورود الضيف فيقدم إليه إذا ورد من الفواكه ونحوها.
والزقوم - على ما قيل - اسم شجرة صغيرة الورق مرة كريهة الرائحة ذات لبن إذا أصاب جسد إنسان تورم تكون في تهامة والبلاد المجدبة المجاورة للصحراء سميت به الشجرة الموصوفة بما في الآية من الأوصاف، وقيل: إن قريشا ما كانت تعرفه وسيأتي ذلك في البحث الروائي.
ولفظة خير في الآية بمعنى الوصف دون التفضيل إذ لا خيرية في الزقوم أصلا فهو كقوله: " ما عند الله خير من اللهو " الجمعة: 11 والآية على ما يعطيه السياق من كلامه تعالى.
وقوله: " إنا جعلناها فتنة للظالمين " الضمير لشجرة الزقوم، والفتنة المحنة والعذاب.
وقوله: " إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم " وصف لشجرة الزقوم، وأصل الجحيم قعرها، ولا عجب في نبات شجرة في النار وبقائها فيها فحياة الانسان وبقاؤها خالدا فيها أعجب والله يفعل ما يشاء.
وقوله: " طلعها كأنه رؤس الشياطين " الطلع حمل النخلة أو مطلق الشجرة أول ما يبدو، وتشبيه ثمرة الزقوم برؤس الشياطين بعناية أن الأوهام العامية تصور الشيطان في أقبح صورة كما تصور الملك في أحسن صورة وأجملها قال تعالى: " ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " يوسف: 31، وبذلك يندفع ما قيل: إن الشئ إنما يشبه بما يعرف ولا معرفة لاحد برؤس الشياطين.
وقوله: " فإنهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون " الفاء للتعليل يبين به كونها نزلا للظالمين يأكلون منها، وفي قوله: " فمالؤن منها البطون " إشارة إلى تسلط جوع