اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن " هود: 40 والأهل كما يطلق على زوج الرجل وبنيه يطلق على كل من هو من خاصته.
قوله تعالى: " وجعلنا ذريته هم الباقين " أي الباقين من الناس بعد قرنهم وقد بحثنا في هذا المعنى في قصة نوح من سورة هود.
قوله تعالى: " وتركنا عليه في الآخرين " المراد بالترك الابقاء وبالآخرين الأمم الغابرة غير الأولين، وقد ذكرت هذه الجملة بعد ذكر إبراهيم عليه السلام أيضا في هذه السورة وقد بدلت في القصة بعينها من سورة الشعراء من قوله: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " الشعراء: 84 واستفدنا منه هناك أن المراد بلسان صدق كذلك أن يبعث الله بعده من يقوم بدعوته ويدعو إلى ملته وهي دين التوحيد.
فيتأيد بذلك أن المراد بالابقاء في الآخرين هو إحياؤه تعالى دعوة نوح عليه السلام إلى التوحيد ومجاهدته في سبيل الله عصرا بعد عصر وجيلا بعد جيل إلى يوم القيامة.
قوله تعالى: " سلام على نوح في العالمين " المراد بالعالمين جميعها لكونه جمعا محلى باللام مفيدا للعموم، والظاهر أن المراد به عالمو البشر وأممهم وجماعاتهم إلى يوم القيامة فإنه تحية من عند الله مباركة طيبة تهدى إليه من قبل الأمم الانسانية ما جرى فيها شئ من الخيرات اعتقادا أو عملا فإنه عليه السلام أول من انتهض لدعوة التوحيد ودحض الشرك وما يتبعه من العمل وقاسى في ذلك أشد المحنة فيما يقرب من ألف سنة لا يشاركه في ذلك أحد فله نصيب من كل خير واقع بينهم إلى يوم القيامة، ولا يوجد في كلامه تعالى سلام على هذه السعة على أحد ممن دونه.
وقيل: المراد بالعالمين عوالم الملائكة والثقلين من الجن والإنس.
قوله تعالى: " إنا كذلك نجزي المحسنين " تعليل لما أمتن عليه من الكرامة كإجابة ندائه وتنجيته وأهله من الكرب العظيم وإبقاء ذريته وتركه عليه في الآخرين والسلام عليه في العالمين، وتشبيه جزائه بجزاء عموم المحسنين من حيث أصل الجزاء الحسن لا في خصوصياته فلا يوجب ذلك اشتراك الجميع فيما اختص به عليه السلام و هو ظاهر.