قوله تعالى: " إنه من عبادنا المؤمنين " تعليل لاحسانه المدلول عليه بالجملة السابقة وذلك لأنه عليه السلام لكونه عبد الله بحقيقة معنى الكلمة كان لا يريد ولا يفعل إلا ما يريده الله، ولكونه من المؤمنين حقا كان لا يرى من الاعتقاد إلا الحق وسرى ذلك إلى جميع أركان وجوده ومن كان كذلك لا يصدر منه إلا الحسن الجميل فكان من المحسنين.
قوله تعالى: " ثم أغرقنا الآخرين " ثم للتراخي الكلامي دون الزماني والمراد بالآخرين قومه المشركون.
قوله تعالى: " وإن من شيعته لإبراهيم " الشيعة هم القوم المشايعون لغيرهم الذاهبون على أثرهم وبالجملة كل من وافق غيره في طريقته فهو من شيعته تقدم أو تأخر قال تعالى:
" وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل " سبأ: 54.
وظاهر السياق أن ضمير " شيعته " لنوح أي إن إبراهيم كان ممن يوافقه في دينه وهو دين التوحيد، وقيل: الضمير لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا دليل عليه من جهة اللفظ.
قيل: ومن حسن الارداف في نظم الآيات تعقيب قصة نوح عليه السلام وهو آدم الثاني أبو البشر بقصة إبراهيم عليه السلام وهو أبو الأنبياء إليه تنتهي أنساب جل الأنبياء بعده وعلى دينه تعتمد أديان التوحيد الحية اليوم كدين موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضا نوح عليه السلام نجاه الله من الغرق وإبراهيم عليه السلام نجاه الله من الحرق.
قوله تعالى: " إذ جاء ربه بقلب سليم " مجيئه ربه كناية عن تصديقه له وإيمانه به، ويؤيد ذلك أن المراد بسلامة القلب عروة عن كل ما يضر التصديق والايمان بالله سبحانه من الشرك الجلي والخفي ومساوي الأخلاق وآثار المعاصي وأي تعلق بغيره ينجذب إليه الانسان ويختل به صفاء توجهه إليه سبحانه.
وبذلك يظهر أن المراد بالقلب السليم ما لا تعلق له بغيره تعالى كما في الحديث وسيجئ إن شاء الله في البحث الروائي الآتي.
وقيل: المراد به السالم من الشرك، ويمكن أن يوجه بما يرجع إلى الأول وقيل:
المراد به القلب الحزين، وهو كما ترى.
والظرف في الآية متعلق بقوله سابقا " من شيعته " والظروف يغتفر فيها ما لا