(بيان) تعقيب لغرض السياق السابق المتعرض لشركهم وتكذيبهم بآيات الله وتهديدهم بأليم العذاب يقول: إن أكثر الأولين ضلوا كضلالهم وكذبوا الرسل المنذرين كتكذيبهم ويستشهد بقصص نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس ولوط ويونس عليهم السلام وما في الآيات المنقولة إشارة إلى قصة نوح وخلاصة قصص إبراهيم عليه السلام.
قوله تعالى: " ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين - إلى قوله - المخلصين " كلام مسوق لانذار مشركي هذه الأمة بتنظيرهم للأمم الهالكين من قبلهم فقد ضل أكثرهم كما ضل هؤلاء وأرسل إليهم رسل منذرون كما أرسل منذر إلى هؤلاء فكذبوا فكان عاقبة أمرهم الهلاك إلا المخلصين منهم.
واللام في " لقد ضل " للقسم وكذا في " لقد أرسلنا " والمنذرين الأول بكسر الذال المعجمة وهم الرسل والثاني بفتح الذال المعجمة وهم الأمم الأولون، و " إلا عباد الله " إن كان المراد بهم من في الأمم من المخلصين كان استثناء متصلا وإن عم الأنبياء كان منقطعا إلا بتغليبه غير الأنبياء عليهم والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون " اللامان للقسم وهو يدل على كمال العناية بنداء نوح وإجابته تعالى، وقد مدح تعالى نفسه في إجابته فإن التقدير فلنعم المجيبون نحن، وجمع المجيب لإفادة التعظيم وقد كان نداء نوح - على ما يفيده السياق - دعاءه على قومه واستغاثته بربه المنقولين في قوله تعالى: " وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " نوح: 26، وفي قوله تعالى: " فدعا ربه أني مغلوب فانتصر " القمر: 10.
قوله تعالى: " ونجيناه وأهله من الكرب العظيم " الكرب - على ما ذكره الراغب - الغم الشديد والمراد به الطوفان أو أذى قومه، والمراد بأهله أهل بيته و المؤمنون به من قومه وقد قال تعالى في سورة هود: " قلنا احمل فيها من كل زوجين