ومن المعلوم أن ليس هناك أمر ينفصل عنه تعالى يسمى إيجادا أو وجودا ثم يتصل بالشئ فيصير به موجودا وهو ظاهر فليس بعده تعالى إلا وجود الشئ فحسب.
ومن هنا يظهر أن كلمة الايجاد وهي كلمة كن هي وجود الشئ الذي أوجده لكن بما أنه منتسب إليه قائم به وأما من حيث انتسابه إلى نفسه فهو موجود لا إيجاد ومخلوق لا خلق.
و يظهر أيضا أن الذي يفيض منه تعالى لا يقبل مهلة ولا نظرة ولا يتحمل تبدلا ولا تغيرا، ولا يتلبس بتدريج وما يتراءى في الخلق من هذه الأمور إنما يتأتى في الأشياء في ناحية نفسها لا من الجهة التي تلي ربها سبحانه وهذا باب ينفتح منه ألف باب.
وفي الآيات للتلويح إلى هذه الحقائق إشارات لطيفة كقوله تعالى: " كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " آل عمران: 59، وقوله تعالى: " وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " القمر: 50، وقوله تعالى: " وكان أمر الله قدرا مقدورا " الأحزاب: 38 إلى غير ذلك.
وقوله في آخر الآية: " فيكون " بيان لطاعة الشئ المراد له تعالى وامتثاله لأمر " كن " ولبسه الوجود.
قوله تعالى: " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون " الملكوت مبالغة في معنى الملك كالرحموت والرهبوت في معنى الرحمة والرهبة.
وانضمام الآية إلى ما قبلها يعطي أن المراد بالملكوت الجهة التالية له تعالى من وجهي وجود الأشياء، وبالملك الجهة التالية للخلق أو الأعم الشامل للوجهين. وعليه يحمل قوله تعالى: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين " الانعام: 75. وقوله: " أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض " الأعراف: 185: وقوله: " قل من بيده ملكوت كل شئ " المؤمنون: 88.
وجعل الملكوت بيده تعالى للدلالة على أنه متسلط عليها لا نصيب فيها لغيره.
ومآل المعنى في قوله: " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ " تنزيهه تعالى عما استبعدوا منكرين للمعاد لغفلتهم عن أن ملكوت كل شئ بيده وفي قبضته.