تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٦٧
وإذ لا قاهر يقهره على فعل ولا مانع يمنعه عن فعل فهو مختار بحقيقة معنى الاختيار هذا بحسب التكوين والتشريع يتبعه فان حقيقة التشريع هي أنه فطر الناس على فطرة لا تستقيم الا باتيان أمور هي الواجبات وما في حكمها وترك أمور هي المحرمات وما في حكمها فما ينتفع به الانسان في كما له وسعادته هو الذي أمر به وندب إليه وما يتضرر به هو الذي نهى عنه وحذر منه.
فله تعالى أن يختار في مرحلة التشريع من الاحكام والقوانين ما يشاء كما أن له أن يختار في مرحلة التكوين من الخلق والتدبير ما يشاء، وهذا معنى قوله: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) وقد أطلق اطلاقا.
والظاهر أن قوله: (يخلق ما يشاء) إشارة إلى اختياره التكويني فان معنى اطلاقه أنه لا تقصر قدرته عن خلق شئ ولا يمنعه شئ عما يشاؤه وبعبارة أخرى لا يمتنع عن مشيته شئ لا بنفسه ولا بمانع يمنع وهذا هو الاختيار بحقيقة معناه، وقوله:
(ويختار) إشارة إلى اختياره التشريعي الاعتباري ويكون عطفه على قوله: (يخلق ما يشاء) من عطف المسبب على سببه لكون التشريع والاعتبار متفرعا على التكوين والحقيقة.
ويمكن حمل قوله: (يخلق ما يشاء) على الاختيار التكويني وقوله: (ويختار) على الأعم من الحقيقة والاعتبار لكن الوجه السابق أوجه، ومن الدليل عليه كون المنفى في قوله الآتي: (ما كان لهم الخيرة) هو الاختيار التشريعي الاعتباري، والاختيار المثبت في قوله (ويختار) يقابله فالمراد اثبات الاختيار التشريعي الاعتباري.
ثم لا ريب في أن الانسان له اختيار تكويني بالنسبة إلى الافعال الصادرة عنه بالعلم والإرادة وان لم يكن اختيارا مطلقا فان للأسباب والعلل الخارجية دخلا في أفعاله إذ أكله لقمة من الطعام مثلا متوقف على تحقق مادة الطعام خارجا وقابليته وملائمته وقربه منه ومساعدة أدوات الاخذ والقبض والالتقام والمضغ والبلع وغير ذلك مما لا يحصى. فصدور الفعل الاختياري عنه مشروط بموافقة الأسباب الخارجية الداخلية في تحقق فعله، والله سبحانه في رأس تلك الأسباب جميعا وإليه ينتهى الكل وهو الذي خلق الانسان منعوتا بنعت الاختيار وأعطاه خيرته كما أعطاه خلقه.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست