تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٦٦
جعل الانسان بحيث لا يهتدى إلى خبر، وكان مقتضى الظاهر أن ينسب العمى إليهم لا إلى الانباء لكن عكس الامر فقيل: (فعميت عليهم الانباء) للدلالة على أخذهم من كل جانب وسد جميع الطرق وتقطع الأسباب بهم كما قال: (وتقطعت بهم الأسباب) البقرة: 166، فلسقوط الأسباب عن التأثير يومئذ لا تهتدى إليهم الاخبار ولا يجدون شيئا يعتذرون به للتخلص من العذاب.
وقوله: (فهم لا يتساءلون) تفريع على عمى الانباء من قبيل تفرع بعض أفراد العام عليه أي لا يسأل بعضهم بعضا ليعدوا به عذرا يعتذرون به عن تكذيبهم الرسل وردهم الدعوة.
وقد فسر صدر الآية وذيلها بتفاسير كثيرة مختلفة لا جدوى في التعرض لها فرأينا الصفح عنها أولى.
قوله تعالى: (فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين) أي هذه حال من كفر ولم يرجع إلى الله سبحانه فأما من رجع وآمن وعمل صالحا فمن المرجو أن يكون من المفلحين، وعسى - كما قيل - للتحقيق على عادة الكرام أو للترجي من قبل التائب، والمعنى: فليتوقع الفلاح.
قوله تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) الخيرة بمعنى التخير كالطيرة بمعنى التطير.
والآية جواب رابع عن قولهم: (ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) والذي يتضمنه حجة قاطعة.
بيان ذلك: أن الخلق وهو الصنع والايجاد ينتهى إليه تعالى كما قال: (الله خالق كل شئ) الزمر: 62 فلا مؤثر في الوجود بحقيقة معنى التأثير غيره تعالى فلا شئ هناك يلجئه تعالى على فعل من الأفعال فان هذا الشئ المفروض اما مخلوق له منته في وجوده إليه فوجوده وآثار وجوده ينتهى إليه تعالى ولا معنى لتأثير الشئ ولا لتأثير أثره في نفسه واما غير مخلوق له ولا منته في وجوده إليه يؤثر فيه بالالجاء والقهر ولا مؤثر في الوجود غيره ولا أن هناك شيئا لا ينتهى في وجوده إليه تعالى فلا يعطيه شئ أثرا ولا يمنعه شئ من أثر كما قال: (والله يحكم لا معقب لحكمه) الرعد: 41، وقال:
والله غالب على أمره) يوسف: 21.
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست