وقوله: (ومن رحمته جعل لكم) في معنى قولنا: جعل لكم وذلك رحمة منه وفيه إشارة إلى أن التكوين كالسكون والابتغاء والتشريع وهو هدايتهم إلى الشكر من آثار صفة رحمته تعالى فافهم ذلك.
قوله تعالى: (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) تقدم تفسيره وقد كررت الآية لحاجة مضمون الآية التالية إليها.
قوله تعالى: (ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم) إلى آخر الآية، إشارة إلى ظهور بطلان مزعمتهم لهم يوم القيامة، والمراد بالشهيد شهيد الأعمال - كما تقدمت الإشارة إليه مرارا - ولا ظهور للآية في كونه هو النبي المبعوث إلى الأمة نظرا إلى افراد الشهيد وذكر الأمة إذ الأمة هي الجماعة من الناس ولا ظهور ولا نصوصية له في الجماعة الذين أرسل إليهم نبي وان كانت من مصاديقها.
وقوله: (فقلنا هاتوا برهانكم) أي طالبناهم بالحجة القاطعة على ما زعموا أن لله شركاء.
وقوله: (فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون) أي غاب عنهم زعمهم الباطل أن لله سبحانه شركاء فعلموا عند ذلك أن الحق في الألوهية لله وحده فالمراد بالضلال الغيبة على طريق الاستعارة. كذا فسروه، ففي الكلام تقديم وتأخير والأصل فضل عنهم ما كانوا يفترون فعلموا أن الحق لله.
وعلى هذا فقوله: (أن الحق لله) نظير ما يقال في القضاء بين المتخاصمين إذا تداعيا في حق يدعيه كل لنفسه: ان الحق لفلان لا لفلان كأنه تعالى يخاصم المشركين حيث يدعون أن الألوهية بمعنى المعبودية حق لشركائهم فيدعى تعالى أنه حقه فيطالبهم البرهان على دعواهم فيضل عنهم البرهان فيعلمون عندئذ أن هذا الحق لله فالألوهية حق ثابت لا ريب فيه فإذا لم يكن حقا لغيره تعالى فهو حق له.
وهذا وجه بظاهره وجيه لا بأس به لكن الحقيقة التي يعطيها كلامه تعالى أن من خاصة يوم القيامة أن الحق يتمحض فيه للظهور ظهورا مشهودا لا ستر عليه فيرتفع به كل باطل يلتبس به الامر ويتشبه بالحق، ولازمه أن يظهر أمر الألوهية ظهورا لا ستر عليه فيرتفع به افتراء الشركاء ارتفاعا مترتبا عليه لا أن يفتقد الدليل على الشركاء