تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٦٢
قوله تعالى: (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا) أم القرى هي أصلها وكبيرتها التي ترجع إليها وفى الآية بيان السنة الإلهية في عذاب القرى بالاستئصال وهو أن عذاب الاستئصال لا يقع منه تعالى الا بعد اتمام الحجة عليهم بارسال رسول يتلو عليهم آيات الله، والا بعد كون المعذبين ظالمين بالكفر بآيات الله وتكذيب رسوله.
وفى تعقيب الآية السابقة بهذه الآية الشارحة لسنته تعالى في اهلاك القرى تخويف لأهل مكة المشركين بالايماء إلى أنهم لو أصروا على كفرهم كانوا في معرض نزول العذاب لان الله قد بعث في أم قراهم وهي مكة رسولا يتلو عليهم آياته وهم مع ذلك ظالمون بتكذيب رسولهم.
وبذلك يظهر النكتة في الالتفات من التكلم بالغير إلى الغيبة في قوله: (وما كان ربك مهلك القرى) فان في الايماء إلى حصول شرائط العذاب فيهم لو كذبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقوية لنفسه وتأكيدا لحجته، وأما العدول بعده إلى سياق التكلم بالغير في قوله:
(وما كنا مهلكي القرى) فهو رجوع إلى السياق السابق بعد قضاء الوطر.
قوله تعالى: (وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا) الخ الايتاء: الاعطاء و (من شئ) بيان لما لإفادة العموم أي كل شئ أوتيتموه، والمتاع ما يتمتع به والزينة ما ينضم إلى الشئ ليفيده جمالا وحسنا، والحياة الدنيا الحياة المؤجلة المقطوعة التي هي أقرب الحياتين منا وتقابلها الحياة الآخرة التي هي خالدة مؤبدة، والمراد بما عند الله الحياة الآخرة السعيدة التي عند الله وجواره ولذا عد خيرا وأبقى.
والمعنى: أن جميع النعم الدنيوية التي أعطاكم الله إياها متاع وزينة زينت بها هذه الحياة الدنيا التي هي أقرب الحياتين منكم وهي بائدة فانية وما عند الله من ثوابه في الدار الآخرة المترتب على اتباع الهدى والايمان بآيات الله خير وأبقى فينبغي ان تؤثروه على متاع الدنيا وزينتها أفلا تعقلون.
والآية جواب ثالث عن قولهم: (ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) محصله لنسلم انكم ان اتبعتم الهدى تخطفكم العرب من أرضكم لكن الذي تفقدونه هو متاع الحياة الدنيا وزينتها الفانية فما بالكم تؤثرونه على ما عند الله من ثواب اتباع
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»
الفهرست