تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٦٨
ثم إن الانسان يرى بالطبع لنفسه اختيارا تشريعيا اعتباريا فيما يشاؤه من فعل أو ترك بحذاء اختياره التكويني فله أن يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء من غير أن يكون لاحد من بنى نوعه أن يحمله على شئ أو يمنعه عن شئ لكونهم أمثالا له لا يزيدون عليه بشئ في معنى الانسانية ولا يملكون منه شيئا، وهذا هو المراد بكون الانسان حرا بالطبع.
فالانسان مختار في نفسه حر بالطبع الا أن يملك غيره من نفسه شيئا فيسلب بنفسه عن نفسه الحرية كما أن الانسان الاجتماعي يسلب عن نفسه الحرية بالنسبة إلى موارد السنن والقوانين الجارية في مجتمعه بدخوله في المجتمع وامضائه ما يجرى فيه من سنن وقوانين سواء كانت دينية أو اجتماعية، وكما أن المتقاتلين يملك كل منهما الاخر من نفسه ما يغلب عليه فللغالب منهما أن يفعل بأسيره ما يشاء، وكما أن الأجير إذا ابتاع عمله وآجر نفسه فليس بحر في عمله إذ المملوكية لا تجامع الحرية.
فالانسان بالنسبة إلى سائر بنى نوعه حر في عمله مختار في فعله الا أن يسلب باختيار منه شيئا من اختياره فيملك غيره، والله سبحانه يملك الانسان في نفسه وفى فعله الصادر منه ملكا مطلقا بالملك التكويني وبالملك الوضعي الاعتباري فلا خيرة له ولا حرية بالنسبة إلى ما يريده منه تشريعا بأمر أو نهى تشريعيين كما لا خيرة ولا حرية له بالنسبة إلى ما يشاؤه بمشيته التكوينية.
وهذا هو المراد بقوله: (ما كان لهم الخيرة) أي لا اختيار لهم إذا اختار الله سبحانه لهم شيئا من فعل أو ترك حتى يختاروا لأنفسهم ما يشاؤن وان خالف ما اختاره الله والآية قريبة المعنى من قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب: 36، وللقوم في تفسير الآية أقاويل مختلفة غير مجدية أغمضنا عنها من أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى المطولات.
وقوله: (سبحان الله وتعالى عما يشركون) أي عن شركهم باختيارهم أصناما آلهة يعبدونها من دون الله.
وههنا معنى آخر أدق أي تنزه وتعالى عن شركهم بادعاء أن لهم خيرة بالنسبة إلى ما يختاره تعالى بقبوله أو رده فان الخيرة بهذا المعنى لا تتم الا بدعوى الاستقلال في
(٦٨)
مفاتيح البحث: الإختيار، الخيار (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست