به يستهزؤن) المؤمن: 83، وعرض الآيات على قصة قارون لا يبقى شكا في أن المراد بالعلم في كلامه ما قدمناه.
وفى قوله: (انما أوتيته) من غير اسناد الايتاء إلى الله سبحانه كما في قول الناصحين له: (فيما آتاك الله) نوع اعراض عن ذكره تعالى وازراء بساحة كبريائه.
وقوله: (أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) استفهام توبيخي وجواب عن قوله: (انما أوتيته على علم عندي) بأيسر ما يمكن أن يتنبه به لفساد قوله فإنه كان يرى أن الذي اقتنى به المال وهو يبقيه له ويمتعه منه هو علمه الذي عنده وهو يعلم أنه كان فيمن قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا، وكان ما له من القوة والجمع عن علم عنده على زعمه، وقد أهلكه الله بجرمه، فلو كان العلم الذي يغتر ويتبجح به هو السبب الجامع للمال الحافظ له الممتع منه ولم يكن بايتاء الله فضلا واحسانا لنجاهم من الهلاك ومتعهم من أموالهم ودافعوا بقوتهم وانتصروا بجمعهم.
وقوله: (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) ظاهر السياق أن المراد به بيان السنة الإلهية في تعذيب المجرمين واهلاكهم بذنوبهم فيكون كناية عن عدم امهالهم والاصغاء إلى ما لفقوه من المعاذير أو هيؤه من التذلل والإنابة ليرجو بذلك النجاة كما أن أولى الطول والقوة من البشر إذا أرادوا تعذيب من يتحكمون عليه سألوه عن ذنبه ليقضوا عليه بالجرم ثم العذاب، وربما صرف المجرم بما لفقه من المعاذير عذابهم عن نفسه لكن الله سبحانه لعلمه بحقيقة الحال لا يسأل المجرمين عن ذنوبهم وانما يقضى عليهم قضاء فيأتيهم عذاب غير مردود.
والظاهر على هذا أن تكون الجملة من تتمة التوبيخ السابق ويكون جوابا عن اسناده ثروته إلى علمه، ومحصله أن المؤاخذة الإلهية ليست كمؤاخذة الناس حتى إذا لاموه أو نصحوه صرف عن نفسه ذلك بما لفقه من الجواب حتى ينتفع في ذلك بعلمه، بل هو سبحانه عليم شهيد لا يسأل المجرم عن ذنبه وانما يؤاخذه بذنبه، وأيضا يؤاخذه بغتة وهو لا يشعر.
هذا ما يعطيه السياق في معنى الآية ولهم فيها أقاويل أخرى: