تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٥٥
وقوله: (ويدرؤن بالحسنة السيئة) الخ الدرء الدفع، والمراد بالحسنة والسيئة قيل: الكلام الحسن والكلام القبيح، وقيل: العمل الحسن والسئ وهما المعروف والمنكر، وقيل: الخلق الحسن والسيئ وهما الحلم والجهل، وسياق الآيات أوفق للمعنى الأخير فيرجع المعنى إلى أنهم يدفعون أذى الناس عن أنفسهم بالمداراة، والباقي ظاهر.
قوله تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) الخ، المراد باللغو لغو الكلام بدليل تعلقه بالسمع، والمراد سقط القول الذي لا ينبغي الاشتغال به من هذر أو سب وكل ما فيه خشونة، ولذا لما سمعوه أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم وهو متاركة، وقوله: (سلام عليكم) أي أمان منا لكم، وهو أيضا متاركة وتوديع تكرما كما قال تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
وقوله: (لا نبتغي الجاهلين) أي لا نطلبهم بمعاشرة ومجالسة، وفيه تأكيد لما تقدمه، وهو حكاية عن لسان حالهم إذ لو تلفظوا به لكان من مقابلة السيئ بالسيئ.
قوله تعالى: (انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) المراد بالهداية الايصال إلى المطلوب ومرجعه إلى إفاضة الايمان على القلب ومعلوم أنه من شأنه تعالى لا يشاركه فيه أحد، وليس المراد بها إراءة الطريق فإنه من وظيفة الرسول لا معنى لنفيه عنه، والمراد بالاهتداء قبول الهداية.
لما بين في الآيات السابقة حرمان المشركين وهم قوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نعمة الهداية وضلالهم باتباع الهوى واستكبارهم عن الحق النازل عليهم وايمان أهل الكتاب به واعترافهم بالحق ختم القول في هذا الفصل من الكلام بأن أمر الهداية إلى الله لا إليك يهدى هؤلاء وهم من غير قومك الذين تدعوهم ولا يهدى هؤلاء وهم قومك الذين تحب اهتداءهم وهو أعلم بالمهتدين.
(بحث روائي) في الدر المنثور أخرج البزار وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست