الخ، أي فأرسلنا إليهم الرسول بالحق وأنزلنا الكتاب فلما جاءهم الحق من عندنا والظاهر أنه الكتاب النازل على الرسول وهو القرآن النازل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والمراد بقولهم: (لولا أوتى مثل ما أوتى موسى) أي لولا أوتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل التوراة التي أوتيها موسى عليه السلام، وكأنهم يريدون به أن ينزل القرآن جملة واحدة كما حكى الله تعالى عنهم بقوله: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) الفرقان: 32.
وقد أجاب الله عن قولهم بقوله: (أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا) يعنون القرآن والتوراة (وقالوا انا بكل كافرون). والفرق بين القولين أن الأول كفر بالكتابين والثاني كفر بأصل النبوة ولعله الوجه لتكرار (قالوا) في الكلام.
قوله تعالى: (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ان كنتم صادقين) تفريع على كون القرآن والتوراة سحرين تظاهرا، ولا يصح هذا التفريع الا إذا كان من الواجب أن يكون بين الناس كتاب من عند الله سبحانه يهديهم ويجب عليهم اتباعه فإذا كانا سحرين باطلين كان الحق غيرهما، وهو كذلك على ما تبين بقوله:
(ولولا أن تصيبهم مصيبة) الخ، أن للناس على الله أن ينزل عليهم الكتاب ويرسل إليهم الرسول، ولذلك أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يطالبهم بكتاب غيرهما هو أهدى منهما ليتبعه.
ثم الكتابان لو كانا سحرين تظاهرا كانا باطلين مضلين لا هدى فيهما حتى يكون غيرهما من الكتاب الذي يأتون به أهدى منهما - لاستلزام صيغة التفضيل اشتراك المفضل والمفضل عليه في أصل الوصف - لكن المقام لما كان مقام المحاجة ادعى أن الكتابين هاديان لا مزيد عليهما في الهداية فان لم يقبل الخصم ذلك فليأت بكتاب يزيد عليهما في معنى ما يشتملان عليه من بيان الواقع فيكون أهدى منهما.
والقرآن الكريم وان كان يصرح بتسرب التحريف والخلل في التوراة الحاضرة وذلك لا يلائم عدها كتاب هدى بقول مطلق لكن الكلام في التوراة الواقعية النازلة على موسى عليه السلام وهي التي يصدقها القرآن.