تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٥٤
الوصل يفيد التكثير كالقطع والتقطيع والقتل والتقتيل، والضمير لمشركي مكة والمعنى أنزلنا عليهم القرآن موصولا بعضه ببعض: الآية بعد الآية، والسورة أثر السورة من وعد ووعيد ومعارف وأحكام وقصص وعبر وحكم ومواعظ لعلهم يتذكرون.
قوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) الضميران للقرآن وقيل: للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. والأول أوفق للسياق، وفى الآية وما بعدها مدح طائفة من مؤمني أهل الكتاب بعد ما تقدم في الآيات السابقة من ذم المشركين من أهل مكة.
وسياق ذيل الآيات يشهد على أن هؤلاء الممدوحين طائفة خاصة من أهل الكتاب آمنوا به فلا يعبؤ بما قيل إن المراد بهم مطلق المؤمنين منهم.
قوله تعالى: (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا) الخ، ضمائر الافراد للقرآن، واللام في (الحق) للعهد والمعنى وإذا يقرأ القرآن عليهم قالوا: آمنا به انه الحق الذي نعهده من ربنا فإنه عرفناه من قبل.
وقوله: (انا كنا من قبله مسلمين) تعليل لكونه حقا معهودا عندهم أي انا كنا من قبل نزوله مسلمين له أو مؤمنين للدين الذي يدعو إليه ويسميه اسلاما.
وقيل: الضمير ان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وما تقدم أوفق للسياق، وكيف كان فهم يعنون بذلك ما قرؤه في كتبهم من أوصاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكتاب النازل عليه كما يشير إليه قوله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) الأعراف: 157، وقوله: (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) الشعراء: 197.
قوله تعالى: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة السيئة) الخ في الآية وعد جميل لهم على ما فعلوا ومدح لهم على حسن سلوكهم ومداراتهم مع جهلة المشركين ولذا كان الأقرب إلى الفهم أن يكون المراد بايتائهم أجرهم مرتين ايتاؤهم أجر الايمان بكتابهم وأجر الايمان بالقرآن وصبرهم على الايمان بعد الايمان بما فيهما من كلفة مخالفة الهوى.
وقيل: المراد ايتاؤهم الاجر بما صبروا على دينهم وعلى أذى الكفار وتحمل المشاق وقد عرفت ما يؤيده السياق.
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست