تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٦٠
على أن الذي يؤثرونه على اتباع الهدى انما هو متاع الحياة الدنيا العاجلة ولا يختاره عاقل على الحياة الآخرة الخالدة التي عند الله سبحانه.
على أن الخلق والامر لله فإذا اختار شيئا وأمر به فليس لأحد أن يخالفه إلى ما يشتهيه لنفسه فيختار ما يميل إليه طبعه ثم استشهد تعالى بقصة قارون وخسفه به وبداره الأرض.
قوله تعالى: (وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) إلى آخر الآية. التخطف الاختلاس بسرعة، وقيل الخطف والتخطف الاستلاب من كل وجه، وكأن تخطفهم من أرضهم استعارة أريد به القتل والسبي ونهب الأموال كأنهم وما يتعلق بهم من أهل ومال يؤخذون فتخلو منهم أرضهم، والمراد بالأرض أرض مكة والحرم بدليل قوله بعد: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا) والقائل بعض مشركي مكة.
والجملة مسوقة للاعتذار عن الايمان بأنهم ان آمنوا تخطفتهم العرب من أرضهم أرض مكة لأنهم مشركون لا يرضون بايمانهم ورفض أوثانهم فهو من قبيل ابداء المانع ففيه اعتراف بحقية أصل الدعوة وأن الكتاب بما يشتمل عليه حق لكن خطر التخطف مانع من قبوله والايمان به، ولهذا عبر بقوله: (ان نتبع الهدى معك) ولم يقل:
ان نتبع كتابك أو دينك أو ما يقرب من ذلك.
وقوله: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا) قيل: التمكين مضمن معنى الجعل والمعنى أو لم نجعل لهم حرما آمنا ممكنين إياهم، وقيل: حرما منصوبا على الظرفية والمعنى: أو لم نمكن لهم في حرم، و (آمنا) صفة (حرما) أي حرما ذا أمن، وعد الحرم ذا أمن - والمتلبس بالأمن أهله - من المجاز في النسبة، والجملة معطوفة على محذوف والتقدير أو لم نعصمهم ونجعل لهم حرما آمنا ممكنين إياهم.
وهذا جواب أول منه تعالى لقولهم: (ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) ومحصله: أنا مكناهم في أرض جعلناها حرما ذا أمن تحترمه العرب فلا موجب لخوفهم أن يتخطفوا منها ان آمنوا.
وقوله: (يجبى إليه ثمرات كل شئ) الجباية الجمع، والكل للتكثير لا للعموم لعدم إرادة العموم قطعا، والمعنى: يجمع إلى الحرم ثمرات كثير من الأشياء، والجملة
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست