تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٥١
قوله تعالى: (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك) إلى آخر الآية، الظاهر من مقابلة الآية لقوله السابق: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا) الخ، أن المراد بهذا النداء ما كان من الشجرة في الليلة التي آنس فيها من جانب الطور نارا.
وقوله: (ولكن رحمة من ربك) الخ، استدراك عن النفي السابق، والظاهر أن (رحمة) مفعول له، والالتفات عن التكلم بالغير إلى الغيبة في قوله: (من ربك) للدلالة على كمال عنايته تعالى به صلى الله عليه وآله وسلم.
وقوله: (لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك) الظاهر أن المراد بهذا القوم أهل عصر الدعوة النبوية أو هم ومن يقارنهم من آبائهم فان العرب خلت فيهم رسل منهم كهود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام.
والمعنى: وما كنت حاضرا في جانب الطور إذ نادينا موسى وكلمناه واخترناه للرسالة حتى تخبر عن هذه القصة اخبار الحاضر المشاهد ولكن لرحمة منا أخبرناك بها لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون.
قوله تعالى: (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا) الخ، المراد بما قدمت أيديهم ما اكتسبوه من السيئات من طريق الاعتقاد والعمل بدليل ذيل الآية، والمراد بالمصيبة التي تصيبهم أعم من مصيبة الدنيا والآخرة فان الاعراض عن الحق بالكفر والفسوق يستتبع المؤاخذة الإلهية في الدنيا كما يستتبعها في الآخرة، وقد تقدم بعض الكلام فيه في ذيل قوله: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) الأعراف: 96 وغيره.
وقوله: (فيقولوا ربنا لولا أرسلت) متفرع على ما تقدمه على تقديم عدم ارسال الرسول وجواب لولا محذوف لظهوره والتقدير: لما أرسلنا رسولا.
ومحصل المعنى: أنه لولا أنه تكون لهم الحجة علينا على تقدير عدم ارسال الرسول وأخذهم بالعذاب بما قدمت أيديهم من الكفر والفسوق لما أرسلنا إليهم رسولا لكنهم يقولون ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك التي يتلوها علينا ونكون من المؤمنين.
قوله تعالى: (فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى)
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست