تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٨٤
لا يعلمون) الآية وما يتلوها إلى تمام أربع آيات جواب عن قولهم: (نحن أكثر أموالا) الخ، وقد أجيب عنه بوجهين أحدهما أن أمر الرزق من الأموال والأولاد سعة وضيقا بيد الله على ما تستدعيه الحكمة والمصلحة وهيأ من الأسباب لا بمشية الانسان ولا لكرامة له على الله فربما بسط في رزق مؤمن أو كافر أو عاقل ذي حزم أو أحمق خفيف العقل، وربما بسط على واحد ثم قدر له. فلا دلالة في الاتراف على سعادة أو كرامة.
وهذا معنى قوله: (قل ان ربى) نسبة إلى نفسه لأنهم لم يكونوا يرون الله ربا لأنفسهم والرزق من شؤون الربوبية (يبسط) أي يوسع (الرزق لمن يشاء) من عباده بحسب الحكمة والمصلحة (ويقدر) أي يضيق (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فينسبونه ما لم يؤتوه إلى الأسباب الظاهرية الاتفاقية ثم إذا أوتوه نسبوه إلى حزمهم وحسن تدبيرهم أنفسهم وكفى به دليلا على الحمق.
قوله تعالى: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) إلى آخر الآيتين هذا هو الجواب الثاني عن قولهم: (نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) ومحصله أن انتفاء العذاب المترتب على القرب من الله لا يترتب على الأموال والأولاد إذ لا توجب الأموال والأولاد قربا وزلفى من الله حتى ينتفى معها العذاب الإلهي فوضع تقريب المال في الآية موضع انتفاء العذاب من قبيل وضع السبب موضع المسبب.
وهذا معنى قوله: (وما أموالكم ولا أولادكم) التي تعتمدون عليها في السعادة وانتفاء عذاب الله (بالتي) أي بالجماعة التي (تقربكم عندنا زلفى) أي تقريبا.
(الا من آمن وعمل صالحا) في ماله وولده بأن أنفق من أمواله في سبيل الله وبث الايمان والعمل الصالح في أولاده بتربية دينية (فأولئك لهم جزاء الضعف) لعله من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الجزاء المضاعف من جهة أنهم اهتدوا وهدوا وأيضا من جهة تضعيف الحسنات إلى عشر أضعافها وزيادة (وهم في الغرفات) أي في القباب العالية (آمنون) من العذاب فما هم بمعذبين.
(والذين يسعون في آياتنا معاجزين) أي يجدون في آياتنا وهم يريدون أن يعجزونا - أو ان يسبقونا - أولئك في العذاب محضرون) وان كثرت أموالهم وأولادهم.
(٣٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 ... » »»
الفهرست