تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٢٩
والتسخير قهر الفاعل في فعله بحيث يفعله على ما يستدعيه القاهر ويريده كتسخير الكاتب القلم للكتابة وكما يسخر المولى عبده والمخدوم خادمه في أن يفعل باختياره وارادته ما يختاره ويريده المولى والمخدوم والأسباب الكونية كائنة ما كانت تفعل بسببيتها الخاصة ما يريده الله من نظام يدبر به العالم الانساني.
ومما مر يظهر أن اللام في (لكم) للتعليل الغائي والمعنى لأجلكم والمسخر بالكسر هو الله تعالى دون الانسان، وربما احتمل كون اللام للملك والمسخر بالكسر هو الانسان بمشية من الله تعالى كما يشاهد من تقدم الانسان بمرور الزمان في تسخير أجزاء الكون واستخدامه لها في سبيل مقاصده لكن لا يلائمه تصدير الكلام بقوله: (ألم تروا).
وقوله: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) الاسباغ الاتمام والايساع أي أتم وأوسع عليكم نعمه، والنعم جمع نعمة وهو في الأصل بناء النوع وغلب عليه استعماله في ما يلائم الانسان فيستلذ منه، والمراد بالنعم الظاهرة والباطنة بناء على كون الخطاب للمشركين النعم الظاهرة للحس كالسمع والبصر وسائر الجوارح والصحة والعافية والطيبات من الرزق والنعم الغائبة عن الحس كالشعور والإرادة والعقل.
وبناء على عموم الخطاب لجميع الناس الظاهرة من النعم هي ما ظهر للحس كما تقدم و كالدين الذي به ينتظم أمور دنياهم وآخرتهم والباطنة منها كما تقدم وكالمقامات المعنوية التي تنال باخلاص العمل.
وقوله: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) رجوع الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما كان في السياق السابق، والمجادلة المخاصمة النظرية بطريق المغالبة، والمقابلة بين العلم والهدى والكتاب تلوح بأن المراد بالعلم ما هو مكتسب من حجة عقلية، وبالهدى ما يفيضه الله بالوحي أو الالهام، وبالكتاب الكتاب السماوي المنتهى إليه تعالى بالوحي النبوي ولذلك وصفه بالمنير فهذه طرق ثلاث من العلم لا رابع لها.
فمعنى قوله: يجادل في الله بغير كذا وكذا أنه يجادل في وحدانيته تعالى في الربوبية والألوهية بغير حجة يصح الركون إليها بل عن تقليد.
قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»
الفهرست