تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٣٤
على كثرتها واندماج بعضها في بعض كيف تتميز حتى تجزى عليها فالاشكال متوجه إلى ما ذكره قبل ثلاث آيات بقوله: (فننبئهم بما عملوا) وقد أجيب بأنه كيف يخفى عليه شئ من الأقوال والأعمال وهو سميع بصير لا يشذ عن مشاهدته قول ولا فعل.
وقد كان ذيل قوله السابق: (فننبئهم بما عملوا) بقوله: (ان الله عليم بذات الصدور) وهو مبنى على أن الجزاء على حسب ما يحمله القلب من الحسنة والسيئة كما يشير إليه قوله: (وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) البقرة: 284، وجواب عن هذا الاشكال لو وجه إلى ما تحمله القلوب على كثرته فيجاب عنه أن الله عليم بذات الصدور ولو وجه إلى نفس الأعمال الخارجية من الأقوال والافعال فالجواب عنه بما في هذه الآية التي نحن فيها: (ان الله سميع بصير)، فالاشكال والجواب بوجه نظير ما وقع في قوله تعالى: (قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربى في كتاب لا يضل ربى ولا ينسى) طه: 52، فافهم.
وقد أجابوا عن الاعتراض بأجوبة أخرى غير تامة من أراد الوقوف عليها فليراجع المطولات.
قوله تعالى: (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى) الخ، استشهاد لما تقدم في الآية السابقة من علمه بالاعمال بأن التدبير الجاري في نظام الليل والنهار حيث يزيد هذا وينقض ذاك وبالعكس بحسب الفصول المختلفة وبقاع الأرض المتفرقة في نظم ثابت جار على اختلافه، وكذا التدبير الجاري في الشمس والقمر على اختلاف طلوعهما وغروبهما واختلاف جريانهما ومسير هما بحسب الحس وكل منهما يجرى لأجل مسمى ولا اختلاف ولا تشوش في النظام الدقيق الذي لهما فهذا كله مما يمتنع من غير علم وخبرة من مدبرها.
فالمراد بايلاج الليل في النهار أخذ الليل في الطول واشغاله بعض ساعات النهار من قبل وبايلاج النهار في الليل عكس ذلك، والمراد بجريان الشمس والقمر المسخرين إلى أجل مسمى انتهاء كل وضع من أوضاعهما إلى وقت محدود مقدر ثم عودهما إلى بدء فمن شاهد هذا النظام الدقيق الجاري وأمعن فيه لم يشك في أن مدبره انما يدبره عن علم لا يخالطه جهل وليس ذلك عن صدفة واتفاق.
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست