تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٣٢
ثم احتج عليه ثانيا من طريق انحصار الملك الحقيقي فيه تعالى لكونه غنيا محمودا مطلقا وتقريره أنه تعالى مبدء كل خلق ومعطى كل كمال فهو واجد لكل ما يحتاج إليه الأشياء فهو غنى على الاطلاق إذ لو لم يكن غنيا من جهة من الجهات لم يكن مبدء له معطيا لكماله هذا خلف، وإذا كان غنيا على الاطلاق كان له ما في السماوات والأرض فهو المالك لكل شئ على الاطلاق فله أن يتصرف فيها كيف شاء فكل تدبير وتصرف يقع في العالم فهو له إذ لو كان شئ من التدبير لغيره لا له كان مالكه ذلك الغير دونه وإذا كان التدبير والتصرف له تعالى فهو رب العالمين والاله الذي يعبد ويشكر انعامه واحسانه.
وهذا هو الذي يشير إليه قوله: (لله ما في السماوات والأرض ان الله هو الغنى) فقوله: (لله ما في) الخ، حجة على وحدانيته وقوله: (ان الله هو الغنى) تعليل للملك.
وأما قوله: (الحميد) أي المحمود في أفعاله فهو مبدء آخر للحجة وذلك أن الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري وكل جميل في العالم فهو له سبحانه فإليه يعود الثناء فيه فهو حميد على الاطلاق ولو كان شئ من هذا التدبير المتقن الجميل من غيره تعالى من غير انتساب إليه لكان الحمد والثناء لغيره تعالى لا له فلا يكون حميدا على الاطلاق وبالنسبة إلى كل شئ وقد فرض أنه حميد على الاطلاق هذا خلف.
قوله تعالى: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) الخ، (من شجرة) بيان للموصول والشجرة واحد الشجر وتفيد في المقام - وهي في سياق (لو) - الاستغراق أي كل شجرة في الأرض، والمراد بالبحر مطلق البحر، وقوله: (يمده من بعده سبعة أبحر) أي يعينه بالانضياف إليه سبعة أمثاله والظاهر أن المراد بالسبعة التكثير دون خصوص هذا العدد والكلمة هي اللفظ الدال على معنى، وقد أطلق في كلامه تعالى على الوجود المفاض بأمره تعالى، وقد قال: (انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) يس: 82، وقد أطلق على المسيح عليه السلام الكلمة في قوله: (وكلمته ألقاها إلى مريم) النساء: 171.
فالمعنى: ولو جعل أشجار الأرض أقلاما وأخذ البحر وأضيف إليه سبعة أمثاله وجعل المجموع مدادا فكتب كلمات الله - بتبديلها ألفاظا دالة عليها - بتلك
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست