تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢١٨
كان الفصل السابق من كلامه المنقول راجعا إلى التوحيد ونفى الشريك وما في هذه الآية فصل ثان في المعاد وفيه حساب الأعمال، والمعنى: يا بنى ان تكن الخصلة التي عملت من خير أو شر أخف الأشياء وأدقها كمثقال حبة من خردل فتكن تلك الخصلة الصغيرة مستقرة في جوف صخرة أو في أي مكان من السماوات والأرض يأت بها الله للحساب والجزاء لان الله لطيف ينفذ علمه في أعماق الأشياء ويصل إلى كل خفى خبير يعلم كنه الموجودات.
قوله تعالى: (يا بنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور) الآية وما بعدها من كلامه راجع إلى نبذة من الأعمال والأخلاق الفاضلة.
فمن الأعمال الصلاة التي هي عمود الدين ويتلوها الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ومن الأخلاق الصبر على ما يصيب من مصيبة.
وقوله: (ان ذلك من عزم الأمور) الإشارة إلى الصبر والإشارة البعيدة للتعظيم والترفيع وقول بعضهم: ان الإشارة إلى جميع ما تقدم من الصلاة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر والصبر ليس في محله لتكرر عد الصبر من عزم الأمور في كلامه تعالى كقوله: (ولمن صبر وغفر ان ذلك من عزم الأمور) الشورى: 43، وقوله:
(ان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور) آل عمران: 186.
والعزم - على ما ذكره الراغب - عقد القلب على امضاء الامر وكون الصبر - وهو حبس النفس في الامر - من العزم انما هو من حيث إن العقد القلبي ما لم ينحل وينفصم ثبت الانسان على الامر الذي عقد عليه فالصبر لازم الجد في العقد والمحافظة عليه وهو من قدرة النفس وشهامتها.
وقول بعضهم: ان المعنى أن ذلك من عزيمة الله وايجابه في الأمور بعيد وكذا قول بعضهم: ان العزم هو الجزم وهو لغة هذيل.
قوله تعالى: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور) قال الراغب: الصعر ميل في العنق والتصعير إمالته عن النظر كبرا قال: (ولا تصعر خدك للناس) وقال: المرح شدة الفرح والتوسع فيه انتهى.
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست