تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٨٤
ولهذا عبر بالمضارع الدال على الحال لتمثيل حالهم.
والمراد بالآية بيان أن الناس لا يعدو نظرهم ظاهر ما يشاهدونه من النعمة والنقمة إذا وجدوا فرحوا بها من غير أن يتبصروا ويعقلوا أن الامر بيد غيرهم وبمشية من ربهم إذا لم يشأ لم يكن، وإذا فقدوا قطنوا كأن ليس ذلك باذن من ربهم وإذا لم يشأ لم يأذن وفتح باب النعمة فهم ظاهريون سطحيون.
وبهذا يتضح أن لا تدافع بين هذه الآية وبين قوله السابق: (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه) الآية وذلك أن مدلول هذه الآية أن أفهامهم سطحية إذا وجدوا فرحوا وإذا فقدوا قطنوا ومدلول تلك أنهم إذا وجدوا فرحوا وإذا فقدوا دعوا الله وهم قانطون من الشئ وأسبابه منيبين راجعين إلى الله سبحانه فلا تدافع.
وربما أجيب بأن المراد بالناس في هذه الآية فريق آخر غير الفريق المراد بالناس في الآية السابقة ولو فرض اتحادهما كان ما ذكر من دعائهم في حال وقنوطهم في حال أخرى.
وأجيب عنه أيضا بأن الدعاء لساني جار على العادة ولا ينافي القنوط الذي هو أمر قلبي وأنت خبير بما في كل من الجوابين من الفتور.
وأجيب أيضا أن المراد بقنوطهم فعلهم فعل القانطين كالاهتمام بجمع الذخائر أيام الغلاء. وفيه مضافا إلى عدم الدليل على ذلك أنه لا يلائم معنى المفاجأة في القنوط.
قوله تعالى: (أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون) بيان لخطئهم في المبادرة إلى الفرح والقنوط عند إذاقة الرحمة وإصابة السيئة فان الرزق في سعته وضيقه تابع لمشية الله فعلى الانسان أن يعلم أن الرحمة التي ذاقها والسيئة التي أصابته ممكنة الزوال بمشية الله سبحانه ولا موجب للفرح بما لا يؤمن فقده ولا للقنوط مما يرجى زواله.
وأما أنه أمر ظاهر للانسان مقطوع به كأنه يراه فلان الرزق الذي يناله الانسان أو يكتسبه متوقف الوجود على ألوف وألوف من الأسباب والشرائط ليس الانسان الذي يراه لنفسه الا أحد تلك الأسباب ولا السبب الذي يركن إليه ويطيب به نفسا الا بعض تلك الأسباب وعامة الأسباب منتهية إليه سبحانه فهو الذي يعطى ويمنع وهو
(١٨٤)
مفاتيح البحث: الرزق (3)، السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست