تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٥٨
في أنفسهم فيكون تفكرهم حينئذ مجتمعا غير متفرق فيهديهم إلى الحق ويرشدهم إلى الواقع.
وقيل: المراد بتفكرهم في أنفسهم أن يتفكروا في خلق أنفسهم وأن الواحد منهم محدث والمحدث - بالفتح - يحتاج إلى محدث - بالكسر - قديم حي قادر عليم حكيم فلا يخلق ما يخلق عبثا بل لغاية مطلوبة وليست تعود إليه نفسه لغناء المطلق بل إلى الخلق وهو الثواب ولا يكون الا لصالح العمل فلا بد من دين مشرع يميز العمل الصالح من السئ فلا بد من دار يمتحنون فيها وهي الدنيا ودار يثابون فيها وهي الآخرة.
وفيه أن الجملة أعني قوله: (أو لم يتفكروا في أنفسهم) صالح في نفسه لان يراد منها هذا المعنى لكن اتصال قوله: (ما خلق الله السماوات) الخ، بها يأباه لاستلزامه بطلان الاتصال لعدم الارتباط بين صدر الآية وذيلها على هذا التقدير.
وقوله: (ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما الا بالحق وأجل مسمى) هو الفكر الذي يجب عليهم أن يمعنوا فيه النظر في أنفسهم وتقريره على ما تقدم أن الله سبحانه ما خلق هذا العالم كلا ولا بعضا الا خلقا ملابسا للحق أو مصاحبا للحق أي لغاية حقيقية لا عبثا لا غاية له ولا إلى أجل معين فلا يبقى شئ منها إلى ما لا نهاية له بل يفنى وينقطع وإذا كان كل من أجزائه والمجموع مخلوقا ذا غاية تترتب عليها وليس شئ منها دائم الوجود كانت غايته مترتبة عليه بعد انقطاع وجوده وفنائه، وهذا هو الآخرة التي ستظهر بعد انقضاء الدنيا وفنائها.
وقوله: (وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم كافرون) مسوق سوق التعجيب كما بدأت الآية باستفهام التعجيب، والمراد بلقاء الله هو الرجوع إليه في المعاد، وقد عبر عنه باللقاء ليزداد كفرهم به عجبا فكيف يمكن أن يبتدئوا منه ثم لا ينتهوا إليه، ولذلك أكده بان إشارة إلى أن الكفر بالمعاد من شأنه في نفسه أن لا يصدق به.
قوله تعالى: (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) إلى آخر الآية، لما ذكر كفر كثير من الناس بالمعاد وذلك أمر يلغو معه الدين الحق ذكرهم حال الأمم الكافرة وما انتهت إليه من سوء العذاب لعلهم يعتبرون بها فيرجعوا عما هم عليه من الكفر. وإثارة الأرض قلبها ظهر البطن للحرث والتعمير ونحو ذلك.
(١٥٨)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست