قوله تعالى: (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) جملة (يعلمون) على ما ذكره في الكشاف بدل من قوله: (لا يعلمون) وفى هذا الابدال من النكتة أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه ويسد مسده ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا انتهى.
وقيل: الجملة استثنائية لبيان موجب جهلهم بأن وعد الله حق وأن لله الامر من قبل ومن بعد وأنه ينصر المؤمنين على الكافرين. انتهى وهذا أظهر.
وتنكير (ظاهرا) للتحقير وظاهر الحياة الدنيا ما يقابل باطنها وهو الذي يناله حواسهم الظاهرة من زينة الحياة فيرشدهم إلى اقتنائها والعكوف عليها والاخلاد إليها ونسيان ما وراءها من الحياة الآخرة والمعارف المتعلقة بها والغفلة عما فيه خيرهم ونفعهم بحقيقة معنى الكلمة.
وقيل: الظهور في الآية بمعنى الزوال واستشهد بقوله:
وعيرها الواشون أنى أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
والمعنى: يعلمون أمرا زائلا لا بقاء له لكنه معنى شاذ الاستعمال.
قوله تعالى: (أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما الا بالحق وأجل مسمى) الخ المراد من خلق السماوات والأرض وما بينهما - وذلك جملة العالم المشهود - بالحق أنها لم تخلق عبثا لا غاية لها وراءها بأن يوجد ويعدم ثم يوجد ثم يعدم من غير غرض وغاية فهو تعالى انما خلقها لغاية تترتب عليها.
ثم إن العالم بأجزائها ليس بدائم الوجود غير منقطع الاخر حتى يحتمل كون كل جزء لاحق غاية للجزء السابق وكل آت خلفا لماضيه بل هو بأجزائه فان بائد فهناك غاية مقصودة من خلق العالم ستظهر بعد فناء العالم وهذا المعنى هو المراد بتقييد قوله:
(ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما) بقوله: (وأجل مسمى) بعد تقييده بقوله: (الا بالحق).
فقوله: (أو لم يتفكروا في أنفسهم) الاستفهام للتعجيب، وكونهم في أنفسهم استعارة كنائية عن فراغ البال وحضور الذهن كأنهم عند اشتغالهم بأمور الدنيا وسعيهم للمعيشة وتشوش البال يغيبون عن أنفسهم فيكونون عند حضور الذهن حاضرين مستقرين