تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٥١
كالخطف استلاب الشئ بسرعة واختلاسه وقد كانت العرب يومئذ تعيش في التغاور والتناهب ولا يزالون يغير بعضهم على بعض بالقتل والسبي والنهب لكنهم يحترمون الحرم ولا يتعرضون لمن أقام بها فيها.
والمعنى: أو لم ينظروا أنا جعلنا حرما آمنا لا يتعرض لمن فيه بقتل أو سبى أو نهب والحال أن الناس يختلسون من حولهم خارج الحرم.
وقوله: (أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون) توبيخ آخر لهم حيث يقابلون هذه النعمة وهي نعمة عظيمة بالكفران لكنهم يؤمنون بالأصنام وهي باطلة ليس لها الا الاسم.
قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) تهديد لهم بالنار بتوسيمهم بأشد الظلم وأعظمه وهو افتراء الكذب على الله بالقول بالآلهة وأن الله اتخذهم شركاء لنفسه، وتكذيب الانسان بالحق لما جاءه والوصفان جميعا موجودان فيهم فقد عبدوا الأصنام وكذبوا بالقرآن لما جاءهم فهم كافرون ومثوى الكافرين ومحل اقامتهم في الآخرة جهنم.
قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين) الجهد الوسع والطاقة والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو والجهاد ثلاثة أضرب:
مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس كذا ذكره الراغب.
وقوله: (جاهدوا فينا) أي استقر جهادهم فينا وهو استعارة كنائية عن كون جهده مبذولا فيما يتعلق به تعالى من اعتقاد وعمل، فلا ينصرف عن الايمان به والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه بصارف يصرفه.
وقوله: (لنهدينهم سبلنا) أثبت لنفسه سبلا وهي أياما كانت تنتهي إليه تعالى فإنما السبيل سبيل لتأديته إلى ذي السبيل وهو غايتها فسبله هي الطرق المقربة منه والهادية إليه تعالى، وإذ كانت نفس المجاهدة من الهداية كانت الهداية إلى السبل هداية على هداية فتنطبق على مثل قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى) محمد: 17.
ومما تقدم يظهر أن لا حاجة في قوله: (فينا) إلى تقدير مضاف كشأن والتقدير في شأننا.
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»
الفهرست