تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٤٨
(بيان) الآيات تصرف الخطاب عن المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المعنى خطاب عام يشمل الجميع وان كان في اللفظ خاصا به صلى الله عليه وآله وسلم لان الحجج المذكورة فيها مما يناله الجميع.
والآيات تذكر مناقضات في آراء المشركين فيما ألقى في الفصل السابق على المؤمنين فآمنوا به فإنهم يعترفون أن خالق السماوات والأرض ومدبر الشمس والقمر - وعليهما مدار الأرزاق - هو الله وأن منزل الماء من السماء ومحيي الأرض بعد موتها هو الله سبحانه ثم يدعون غيره ليرزقهم وهم يعبدونه تعالى إذا ركبوا البحر ثم إذا أنجاهم عبدوا غيره ويقيمون في حرم آمن وهو نعمة لهم فيؤمنون بالباطل ويجحدون الحق ويكفرون بنعمة الله.
وما ختمت به السورة من قوله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) يلائم ما في مفتتح السورة (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون - إلى أن قال - ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) الخ.
قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون).
خلق السماوات والأرض من الايجاد وتسخير الشمس والقمر - وذلك بتحويل حالاتهما بالطلوع والغروب والقرب والبعد من الأرض - من التدبير الذي يتفرع عليه كينونة أرزاق الانسان وسائر الحيوان وهذا الخلق والتدبير لا ينفك أحدهما عن الاخر فمن اعترف بأحدهما فليعترف بالآخر.
وإذا كان الله هو الخالق وبيده تدبير السماوات ويتبعه تدبير الأرض وكينونة الأرزاق كان هو الذي يجب أن يدعى للرزق وسائر التدبير فمن العجب حينئذ أن يصرف عنه الانسان إلى غيره ممن لا يملك شيئا وهو قوله: (فأنى يصرفون) أي فإذا كان الخلق وتدبير الشمس والقمر إليه تعالى فكيف يصرف هؤلاء إلى دعوة غيره من الأصنام وعبادته.
قوله تعالى: (الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ان الله بكل شئ
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»
الفهرست